"بدنا أرضنا"

 

"بدنا أرصنا" هذه الكلمة التي سمعتها مرات ومرات في رحلة كانت الأولى لأغلب الطلائع لمعلم مهمٍ وأثار تاريخية تثبت أحقيتنا بأرضنا وهو  "ديرقلعة".

في طريقك إلى آثار "ديرقلعة" وقبل دخولك إليها وبعد قطعك مسافة 2 كيلومتر، لابد أن تصادفك "المغارة الكبيرة" التي تشكلت من الصخور عبر الزمن مشكلة أقواس وأعمدة كبيرة وصغيرة  ومقاعد للجلوس -عن طريق المصادفة - ومغارة أخرى صغيرة إذا عزمت نزولها تنتهي بك الطريق إلى مخرج آخر من جهة أخرى.

 كانت المغارة الكبيرة محطة استراحة الطلائع  كما كانت وتكون للكثيرين ممن رغبوا بزيارة "دير قلعة"، أمامك على الهضبة المقابلة لك تماماً تتربع بلدة ديربلوط  بشموخها وكبريائها وصمودها بكامل جمالها وعنفوانها، التي تبعد عن آثار "ديرقلعة"  2كليو متر تقريباً، ما هي إلا خطوات قصيرة ونصل وتبدأ ملامح الدهشة وتعليقات الطلائع للمكان .. "بدنا نرجع نسكن هون" "أنا مابدي أروح"، "ياسلام أنا أول مرة باجي هون وبدي أضل هون"، "هاي أرضنا وهي إلنا وإحنا مش مروحين" .. أكثر الكلمات التي قيلت في حينها.

 

لدخول المكان يجب عليك أولاً المرور من الباب الرئيسي الذي مازال قائماً حتى الآن وسط سور قديم مهترىء أغلب أجزائه متساقطة، تحتض أشجار الزيتون "ديرقلعة" من جميع الجهات وتتخللها أيضا من الداخل، وتتسرب إليها حتى تندمج بها لتحس أنها الزيتون وأن ارتباط الزيتون بها أصيل وأبدي.

بعد دخولك من بابها تتوقف تلقائيا للحظات، تختلط عليك المشاعر، تتوه بروعة المكان تتشتت ويضيع تركيزك إلى أين تنظر؟!! إلى يسارك أم إلى يمينك ؟ إلى يسارك حيث تأسرك بلدة ديربلوط بروعتها وشموخ مآذنها ومرجها الاخضرالكبير، وعلى بعد نظرة منها ما يطلق عليه أراضي 48 والبحر ببريقه اللؤلؤي، و في هذه الأثناء تداعبك نسمات الهواء البحرية العليلة القادمة من هناك تحمل بطياتها سلامات وأماني تل الربيع ويافا، أم إلى يمينك حيث الجهة المغتصبة الأخرى "ديرقلعة" وعلى بعد 200 متر تقريباً تقبع مستعمرة "عالي زهاف" حيث الألم! ...

 تنسى هذا الألم ويعود سحر ديرقلعة بآثارها بأسرك تشاهد خلال تجوالك لها انقسام "ديرقلعة" من الداخل الى عدة اقسام أوغرف التي كانت قديما تستخدم كل منها لغرض معين، سواء للنوم أوللطبخ وتخزين الطعام أوللتعبد، وتفصل بينها الأبواب ، ويوجد بها العديد من الآبار والبرك العميقة والخفيفة العمق التي كانت تستخدم لتجميع المياه، والحفر بأشكالها المنتوعة الدائرية والمربعة والمستطيلة، وأخيراً الحفر الأسطوانية الشكل، والأعمدة الطويلة والأعمدة القصيرة العريضة الملتفة، والطاقات المحفورة التي تحيط بجزء السور القائم بمختلف أحجامها وأشكالها، والعلامات الهندسية وغير الهندسية المحفورة بإتقان،  والتي تزين بعض الحجارة الموجودة، وتشكل هذه العلامات دلائل وبراهين على وجود من سكنها قديماً، ومنها علامة "الصليب" التي من المرجح انها تعود للعصر الصليبي، والأرضية المرسومة بحرفية المندثرة معظم أجزائها.

إنهالت علي النداءات من هنا وهناك ..أريد أن اتصور هنا وهنا وهنا وشرعت بأخد الصور للطلائع حتى تعبت.

بينما تمعن النظر بين هذا المعلم أو ذاك يسقط على نظرك إلى أعلى التلة في الجبل، التي لا تبعد الخطوات قليلة عن "ديرقلعة"، هنا تصبح الرؤيا واضحة تماماً، وهناك بالأفق أرضنا المغتصبة يتوجها الطوق اللؤلؤي الذي نتج جراء لطف ملامسة ومداعبة أشعة الشمس لأسطح مياه البحر، الذي تتمنى وتطوق شوقاً لو انك تستطيع التقاطه لؤلؤة لؤلؤة.

أول إحساس تشعر به فور وصولك هو الطيران والتحليق، ويتملكك شعور غريب وهو أنك تحلق للأعلى فعلاً وكأنك تملك الدنيا وما فيها، ولا تريد شيئا آخر، إلا الاستمرار بالإحساس بهذا الشعور، عندها فقط تأخذ شهيقاً طويلا لتأخذ بعدها زفيراً أطول وتقول بكل قوة "هذه أرضنا"، كلما أمعنت النظر إليها كلما تغذيت إصراراً وزاد انغراسك بمكانك وثباتك بأرضك وترابك.

حان موعد الرحيل!!

سحر وجاذبية المكان تنسيك الوقت، مشهد ذوبان الشمس وانصهارها بالبحر يجبرك على تأمله والاستمتاع بالنظر إليه حتى النهاية... غادرت أجسادنا وبقيت أروحنا حيث الأمل بالعودة يوماً ما!

 

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.