عسكري وأربعةُ نعوش

ربما تبقى الشهادة غير شاملة بل تتعلق فيما سمعت وشاهدت في مكان تواجدي، فلم أكن أمتلك طيّارة لأقف من الأعلى وأنظر لكل شيء.خلال 

  في بداية الأمر وبعد استشهاد 3 شبان في مخيّم قلنديا، وإصابة حوالي 25 مواطناً بالرصاص الحي والدمدم، خرجت دعوات شبابية إلى ضرورة تنظيم تظاهرة احتجاجية، وجنازة رمزية تأبينية لشهداء قلنديا، خاصة في ظل استمرار المفاوضات، بل وانعقاد لقاء تفاوضي بين صائب عريقات وتسيبي ليفني في منزله بأريحا، وعلى الرغم من نفي عريقات لذلك، خرج الأمريكيون وأكدوا اللقاء، فكانت ضرورة ملحّة للخروج بالتظاهرة.

    شاهدت الدعوات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وتصادفت الدعوة في وقت تواجدي بمدينة رام الله، فقررت المشاركة فيها، إذ كانت الدعوة شبابية عامة، وبعد معرفتي بمشاركة الشيخ خضر عدنان تشجّعت للتواجد إلى جانبه.

  يوم الأربعاء كان التجمع في تمام الخامسة بميدان الساعة " ياسر عرفات"، فحضرت متأخراً ولحقت بالتظاهرة على مدخل شارع الإرسال، فشاهدت عدداً كبيراً من المشاركين، بينهم عددٌ لا بأس به من الفتيات، واللواتي كنتُ قد شاهدتهن في تظاهراتٍ كثيرة، وفي المواجهات على حاجزي عوفر و قلنديا أيضاً، وعددٌ من الفتيات أذكر أنهنَّ اقتحمن معسكر بيت إيل إبان العدوان الأخير على غزة في 2012 ووضعن العلم الفلسطيني، وتم اعتقالهم، وخرجن لاحقا ودفعن كفالة أيضاً، وفتاة أخرى ضريرة أعتقد بأنها من القدس شاهدتها في تظاهرات كثيرة في رام الله والقدس المحتلة، وبعض الحواجز وهي تهتف بهمّة تفوق عشرات الرجال، وشبان وأصدقاء ممن اعتقلوا سابقاً، ومنهم من كان برفقتنا في قرية باب الشمس.

 

وفي تلك اللحظة توجهت لمقدمة التظاهرة وأمسكت بالنعش الأول، وبدأت بالهتاف مع المتظاهرين،  الذي تركّز على رفض التفاوض والتنسيق الأمني، ومن بينها

" نعيش وتحيا فلسطين

شعبي بده اربيجي مش تنسيق وسي اي ايه

اطلع يا قمرنا وهل وضوي الكرة الارضية

ماخلقنا تنعيش بذل خلقنا نعيش بحرية

دم الشهدا بيسأل دمي كيف رضيت الحل السلمي".

 ومع استمرار المسير استمر الهتاف بهتافات أخرى مثل" تحيتنا بحرارة للأمعاء الجبارة ... عالمكشوف عالمكشوف  تفاوض مابدنا نشوف".

 وعند الاقتراب من الحاجز الذي أعدته الأجهزة الأمنية هناك كانت المفاجأة الأولى، شاهدت عدداً كبير ممن يرتدون الزي المدني والذين كانوا برفقتنا ينسحبون جانباً إلي اليسار، إذ ظهر لي أنهم من أفراد الأجهزة الأمنية بمختلف أشكالها، ولفت انتباهي أمرٌ هامٌ وهو الكم الهائل من المصورين للأجهزة الأمنية بالزي المدني، وهو أمرٌ متوقع جداً.

 

عودة للتظاهرة وفور وصولها للحاجز المجهز من جهاز قمع الشغب والشرطة الخاصة، ظهر مسؤول بالشرطة وطالبنا بالتوجه لساحة الأمم، فقلت له بالحرف الواحد" احنا مش جايين نحضر عسّاف، جايين نوصل رسالة"، فعاد وقال لي روحوا احتفلوا بساحة الأمم، قلت له "يا راجل شايفنا جايين نحتفل؟ احنا حاملين نعوش شهداء وجايين رفضاً للتفاوض ولأجل دم الشهداء"، وانتقل لمكان آخر، في هذا اللحظات وقبل حدوث أي اشتباك وعلى يمين التظاهرة كان يقف الصديق باسل الأعرج، وفي محاولة الدخول عبر الحاجز البشري للوصول لهدفنا أمام المقاطعة لإيصال رسالتنا، وقع باسل وسط رجال الشرطة المدججين بالعصي، وخلال محاولة العودة للخلف وظهره للأمن تعرض لضربة على الرأس، وأصيب بجراح كما في الصورة.

صورة لباسل الأعرج لحظة إصابته - عدسة: أحمد شحادة

 

وفي هذه اللحظات كان الشبان يتقدمون التظاهرة، والهتافات مستمرة مثل" عليي صوتك وعليي والسلطة واضحة مرتعبه"، وتعرضوا للضرب فأصيب عددٌ منهم بينهم باسل كما ذكرت، وشاب آخر اسمه مصطفى، وكذلك الصديق المصمم وليد إدريس تعرض لضرب طفيف، وفي هذا الوقت اضطر عددٌ من الشبّان للإنسحاب للخلف بعد تعرّضهم للضرب. وهنا تقدّمت الفتيات.

ومع بدء الاحتكاك وتعرض فتاة للضرب وسقطت على الأرض، هتفت زميلتها بجانبها " مخصيين مخصيين سلطتنا مخصيين" وهذا يظهر في الفيديو الذي انتشر عبر الانترنت، وخرجت هتافات أخرى مثل" سلطتنا سلطة تعريص من الجندي للرئيس"، وهنا كانت محاولات من الفتيات لاختراق الحاجز فتعرض عدد منهن للضرب بالهراوات، وفي هذه اللحظة كانت حوارات فردية بينهن والأمن بأنكم لماذا لا تذهبون وتحمون أهل قلنديا، أو لماذا لا تقاومون اقتحامات الاحتلال، وما فائدة سلاحكم ومن هذا القبيل، وفي هذا الوقت كانت شتائم سيئة تتعرض لها الفتيات من قبل الأمن بالزي المدني تمس أعراضهم، الأمر الذي استفز الكثير من الفتيات فرددن الشتائم بشتائم مثلها، وخرجت شتائم وسب.

ومع استمرار الضرب والتدافع مع المتظاهرين والمتظاهرات، كانت محاولات من مصوري الأجهزة الأمنية تركيز التصوير على وجوه الشبان وبخاصة الفتيات، فظهرت شتائم من قبل احد الشبان والفتيات، وسب للذات الالهية" وهذا الأمر ليس بحاجة لموقف مني، فيكفي موقف الشرع الحنيف منه"، وبهذه الأثناء خرجت هتافات من الشبان مثل " يا عباس يا ابن الكلب "، وأخرى مثل " يسقط يسقط حكم العسكر إحنا الشعب الخط الأحمر"، ومع استمرار الهتاف ومحاولات اختراق الحاجز البشري، أصيب الشاب براء القاضي وهو جريح انتفاضة ويعاني من عجز 40 بالمئة بعد فقدانه نصف رئته، وهذه صورة له خلال التظاهرة قبل اصابته بلحظات، والتي تظهر بالفيديو المنتشر:

    اقتربت من رجلي أمن من الشرطة الخاصة،  وتحدثت إليهما متسائلاً: لماذا نمنع من الوصول للمقاطعة؟ وماذا سيحصل إن وصلنا أصلا؟  ولماذا لا يستمع الينا أبو مازن؟  وقد قال احدهم انت تعلم نحن هنا وفق الأوامر،  وهنا تدخل شرطي من الخلف واوقفني عن الحديث طالبا مني العودة للخلف بنبرة تهديدية.

  وفي هذه الأثناء أيضاً وقفت جانباً إلى اليمين، وبالقرب تقف فتاة تهتف وفي هذه اللحظة كان رجل أمن بزي مدني يصوّرها، فقالت له بأنك عميل كما  رئيسك وليش بتصوّر، فشتمها وقال لها .... ـس أختك، وعندما سمعها ردّت عليه يا ابن الشـ........ وفقدت أعصابها، وذهبت مسرعة في محاولة للالتفاف خلف الحاجز الأمني والوصول إليه، حيث قمعها رجال الأمن، واعتدوا عليها وهنا حاولت التقدم لاعادتها ومنع الاعتداء فمنعنا رجل شرطي بالهراوة ودفعنا للخلف، وقد رجل حقوقي بالمكان وصوّر لحظة شتم الفتاة من قبل رجل الأمن، وقد ظهر صوته بالفيديو وهو يؤكد بأنه صوّر رجل الأمن بالزي المدني وهو يشتم الفتاة.

 وفي خضم الاشتباك بين المتظاهرين والأمن، تقدم مسؤول الأمن وقدّم الماء للشرطة بدايةً ثم اتجه للمتظاهرين لاعطائهم الماء، فرفضوا ذلك، وأخذ بعضهم كؤوس الماء البلاستيكية والقوها على رجال الأمن.

 

    وهنا أيضاً كنت أقف بجانب رجل بزي مدني فتفاجأت به يشتم السيدة أمال وهدان وهي أسيرة سابقاً ومناضلة منذ وقتٍ طويل، وجاءت بمشاركة ابنتها والتي أصيبت بكسور في يدها جراء اعتداء الأمن، وبعد سماعي لتلك الشتيمة السيئة حيث لم تسمعها السيدة وهدان لوقوفها بعيداً، التفتُّ للرجل وقلت له "لو سمحت عيب الحكي هذا"، فنظر إلي وقال ما دخلك في الأمر، وتهددني وهجم علي في محاولة لسحبي، وتدخل معه رجال أمن بزي مدني، وبدأوا باطلاق التهديد وحدثت مشادة بيننا، وقد حاولوا الاعتداء لو تدخل عدد من المتظاهرين، فانسحبت جانباً، وفي هذه اللحظات ابلغت بأنهم التقطوا صورة لي وسجلوا اسمي، لكي يتم اعتقالي ان سنحت الفرصة، وهنا وبعد لحظات تعرض رجل كبير بالسن يرتدي قميصاً أبيضَ للضرب على رأسه فسال دمه وتم اسعافه ميدانياً.

 

   وهذه الصورة أرسلها صديق لي ظهرت خلال فيديو منتشر عبر الانترنت، وهذا المكان هو المكان الذي حصلت فيه المشادة بيني وبين رجل أمن بزي مدني، قبل ان تتحول لعراك بسيط بالأيدي:

     بالوقت هذا تدفق عدد من رجال الأمن في الزي المدني، لمحاولة افتعال مشكلة مع المتظاهرين واطلق بعضهم الشتائم، وحاول البعض ضرب المتظاهرين قبل أن يسحبهم آخرون جانباً إلى اليمين، وقد تعالت هتافات أخرى مثل" واحد واحد واحد سلطة وصهيوني واحد".

 

      وبعد لحظات تجمع المتظاهرون وتقدّم الشيخ خضر عدنان وقال كلمة سريعة،وكنت أقف بالقرب منه ولاحظت رجلاً يلتقط الصور لي فرعت شارة النصر أمامه فاذا برجل الى جانبه يرد علي باصبعه الاوسط"البعبوص"، فقلت له هذه اخلاقك، وفي اللحظة التي بدا الشيخ عدنان بالحديث بدأ عناصر الشرطة بالضرب على التروس لاصدار صوت للتخريب على كلمة الشيخ  وأهم ما فيها" بأن المشكلة ليست مع محمود عباس ولا مع الفقرا المساكين هدول، بل مع نهج أوسلو ".

الشيخ خضر عدنان خلال مشاركته في التظاهرة والجنازة الرمزية -عدسة راية

 

 وبعد ذلك كانت الدعوة للانسحاب لدوار المنارة، وفي هذه اللحظة توجهة برفقة الشيخ خضر عدنان وآخرين إلى قلنديا لعزاء الشهداء، وبعدها لزيارة الجرحى في مجمع فلسطين الطبي.

خلال زيارتنا لمصابي قلنديا، بعد تقديم العزاء للشهداء

 

ملاحظة نهائية: كنت أتمنى من الفتيات أن يضبطن أعصابهم أكثر من الاستفزازات التي تعرضن لها

 

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.