المتشائل، والإفطار على وجبة شتائم!

جمالية هذه المفردة تكمن في حكمتها، لا يقصد بها هنا الأديب الفلسطيني الراحل إميل حبيبي، كونه ابتكر هذه المفردة وعمل على تصميم جماليتها في روايته الشهيرة التي حملت اسم المفردة "المتشائل" قبل ما يقارب الاربعون عاماً، بل يقصد بها المواطن الفلسطيني بل الفلسطيني ككل من يحمل رتبة المواطن او حتى رتبة القائد والقلة ممن يحملون رتبة المفتي، فالمتشائل اليوم تعبر عن الجميع بلا استثناء خصوصاً بعد العودة للمرح مع الضيف ثقيل الظل "المفاوضات".

ففي أحاديث الصالونات السياسية – وما أكثرها اليوم – يتحدثون عن المفاوضات بكثرة، وأصبحت المفاوضات الحديث الشاغل للجميع في المنازل والمقاهي والشاشات، وحديث أولئك الواقفون على قارعة الطريق المنظرون فرج رب العالمين، ربماً اهلاً وسهلاً بالحديث بها كونها جاءت بعد غياب ثلاث سنوات أو أكثر، وربما عودتها تضيف القليل من المرح لحالة الكوميديا السوداء التي تمر بها البلاد من غياب للأفق السياسي وتمزق البيت الداخلي، فقد أضافت المرح لأولئك المتشائمين من كل شيء، كونها فتحت لهم الباب على مصراعيه للتطبيل والتزميز واطلاق الشتائم والسباب على جزء من فلسطين، ولأولئك المتفائلين فعبدت الطريق أمامهم للسير نحو الانبهار من الانجاز المرتقب من عودة هذا الضيف الثقيل.

 بالرغم من أن هؤلاء أضافو جمالية لهذه الكوميديا الهزلية تحسب لهم كونهم أعادوا اسم فلسطين إلى شاشات التلفزة العربية والدولية بعدما ضاق الاسم بين أسماء أخرى أكبر هيمنة كون الشاشات انشغلت بتوارد الاخبار بكثرة من ميدان العاشقة الإلهية رابعة وشركائها، الا أن هاذان التياران لم يوفقا في طروحاتهم، فالمتفائل المُفّرِط رأى في المفاوضات وردتها والمتشائم المُحبط رأى فيها شوكتها، وفي النهاية لكل منا الحق في أن يختار كيف يكون كائناً أرضياً وليس فضائياً!

الإفطار على وجبة شتائم

عندما مرر صاحب الاسم المرير مكسيم غوركي الأديب والناشط السياسي الروسي عبارة "خلقنا لنعترض" في رواية من روايته، لم يهدف من خلالها ان تكون هذه العبارة موقفاً سياسياً، بالرغم أن الاعتراض مكفول للجميع دون استثناء، ولكن تطبيق هذه العبارة على كل شيء يشي بشيء من الخجل، كون الإعتراض أصبح منهجاً سياسياً لليسار الفلسطيني على وجه العموم والجبهة الشعبية على وجه الخصوص، وعلى قيادات الجبهة الشعبية أن تشعر بالخجل فالاعتراض دون تقديم آليات ورؤى بديلة للخروج من الازمة غير صحي إطلاقاً، واستخدام أساليب مثل إطلاق التصريحات الرنانة المتبطنة بالنغمات الثورجية لم يعد يجدي نفعاً، فالشعب الفلسطيني أصبح أنضج مما مضى ولم يعد متحمساً لأن يسمع تصريحات فارغة المضمون لا تخرجه من أزمته الراهنة. 

الجميع لا يؤيد العنف من قبل أجهزة الأمن في فض الاعتصامات، فأي تنظيم أو تجمع يمكن أن يخرج في مظاهرة ويواجه بالعنف في بعض الاحيان، فلذلك الجميع يرفض هذا الأسلوب، والمشكلة هنا لا تكمن في خروج الشعبية ضد المفاوضات، بل تكمن في عدم تقديم الشعبية لأي بديل للمفاوضات أو حتى رؤية لذلك، والمشكلة الأكبر كانت في عشية ذلك اليوم كوننا أفطرنا على شتائم كبيرة طالت أعراضنا ووطنيتنا من قبل أنصار الشعبية، وهذا يدل على أن الشعبية بحاجة لأن تعترض على نفسها وتخرج في مسيرات مناهضة لحالة التشرذم التي تمر بها!.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.