حول نظرتنا الفوقية

إنه موعد أكثر محاضرة أحببتها في الجامعة، مساق "الدراسات الفلسطينية" الذي يتعلمه كل طلبة الجامعة إجبارياً، كما يمتعض معظمهم منه، ويتذمرون من صعوبة إستيعاب تاريخ القضية الفلسطينية المليء بالأحداث.

ما زلت أذكر جيداً تعليق الأستاذ على مشاركة الجيش الكويتي في إحدى حروب العرب مع إسرائيل، عندما قال: "جاؤوا بالدشاديش" - جمع دشداشة - بأسلوب ساخر، ليعم الضحك أرجاء القاعة، وسط إستغرابي من تعليقه وتجاوب الطلاب معه. ربما إعتاد طلبة الجامعة على الضحك مع كل ما يبدو نكتة يلقيها المحاضر كمسايرة، ولكن ما هو عذر الأستاذ أصلاً ليستهزئ من هذا الحدث التاريخي!

إنها وبلا شك نظرتنا كفلسطينيين النابعة من إحساسنا الأجوف بأننا أفضل من الآخر، وتحديداً الخليجي، كيف لا؟ ونحن "من شيد مدن الخليج" لأننا "شعب المتعلمين"، متجاهلين عمداً أننا لم ننجح حتى الآن في الإنعتاق من إحتلال تتعرى مجنداته على مواقع التواصل الإجتماعي، أو أنه - مثل غيرنا من المجتمعات العربية - لا تحكمنا عادات وتقاليد بالية، نخرت في عقليتنا حتى أصابتها بمقتل.

إن الشعور بالإعتزاز الوطني لا يفهم على أنه تفوق على الآخرين، وإن كانت بعض الشعوب العربية تمارس أشكال العنصرية، فهذا ليس مبرراً لأن ننجر لتعميق فوهة الكراهية.

كيف يعقل لنا كفلسطينيين أن نشعر ولو بيننا وبين أنفسنا سراً بالإستعلاء، وكيف يليق ذلك بصورتنا وبإحترمنا الذاتي لأنفسنا؟.

إننا نحتاج فعلاً لإعادة تشكيل تفكيرنا حول الآخرين، رغم أن المهمة تبدو شبه مستحيلة، بسبب إنغماس أكثرية الشعب في "ثقافة التمييز" على مستوى الأفراد حتى فيما بيننا، بناءً على أمور بلا معنى، مثل المنطقة الجغرافية التي يعود إليها أحدهم.

فإذا كنا بهذه الحال تجاه بعضنا البعض، فليس غريباً إذن أن ننظر لغيرنا بدونية، دون أي سبب حقيقي! على أمل أن يأتي يوم، تعزز فيه المنظومة التعليمية والتربوية في أطفالنا قيمة المساواة والإحترام، لينمو جيل ينظر لنفسه و للآخر بشكل صحيح.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.