علامات على الطريق - فرصة لنبدأ من جديد !

hayja

أبو مازن رجل صادق,

أبو مازن رجل شجاع,

هذه هي الخلاصة التي تكرست بعد وصول أبو مازن إلى مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة, وبعد تسليمه طلب العضوية الكاملة للسيد بان كي مون الأمين العام لتقديمه إلى مجلس الأمن, وبعد أن ألقى خطابه الذي لم يغفل فيه شيئا, ولم يقفز فيه عن أي عنوان, ولم يترك شاردة ولا واردة في مجمل الحقوق الفلسطينية إلا وطرحها بصدق وشجاعة ووضوح لا يحتمل التأويل, وأنهى كل ذلك, رافعا نسخة من الطلب, ملوحا بها لأعضاء يمثلون 193 دولة, وإلى ملايين من البشر على امتداد القارات الذين كانوا يتابعون خطابه المصاغ بأعلى درجات الصياغة السياسية.

هذا الصدق, هذه الشجاعة, سرعان ما تكرست أكثر فأكثر, بعد دقائق معدودات, حين صعد نتنياهو إلى منبر الجمعية العامة التي كانت قبل قليل تضج بالتصفيق, فتحولت إلى قاعة فارغة نسبيا, وواجمة بالمطلق, لأن الرجل الذي يتحدث, وهو نتنياهو, لم يستند إلى حق, ولم يستند إلى قانون دولي, وإنما استند إلى عربدة مصدرها حليفه الكبير الولايات المتحدة الأميركية

العالم استقبل أبو مازن واستمع إليه كرئيس فلسطيني منتخب يتحدث باسم شعبه, وودعه بعد الخطاب كزعيم من زعماء المرحلة السياسية الراهنة في العالم, أي كرجل يحرك الأشياء بثبات يقينه, وصدقه, وشجاعته, فهو قبل أن يقدم الطلب, وقبل أن يلقي الخطاب, واجه الضغوط والأهوال, ولكنه استطاع أن يرسم صورة الرئيس المقتدر, والزعيم المدافع عن الحق لأنه حق, وعن العدالة لأنها عدالة, وعن فلسطين لأنها حق وعدالة.

الشعب الفلسطيني مزروع في هذه المنطقة, وهو يتعرض لهواجسها وتداخلاتها, ويعيش وسط هذا العالم, وسط تجاذباته ومقايضاته, وكانت قطاعات لا بأس بها من الشعب الفلسطيني تظن انطلاقا من روح وطنية ووجهة نظر موضوعية, أن أبو مازن لو تراجع فلن يكون هذا التراجع خارج المنطق أو المعقول, وجاءت اللحظة, وصدق الرجل وعده مع نفسه, ومع شعبه, ومع ربه, وأكمل الشوط حتى النهاية, وامتطى صهوة المخاطرة إلى حدها الأقصى, وانحاز إلى الصدق والشجاعة والحق والعدل إلى ذروة الكمال !!! وكان الفلسطينيون في امتداد أرض الوطن, وفي مناطق الغربة والشتات, يتابعونه كلمة بكلمة, ولحظة بلحظة, يصغون بعمق, يستمعون إلى كلماته بكل حروفها, وإلى ملامحه بكل انفعالاتها, وكانوا يرونه في حالة من الانبهار مصدقا لما في قلوبهم وعقولهم وضمائرهم وحنينهم الخفي وبوصفهم العلني, فوجدوا أنه داس بأقدامه المخاوف, والتوجسات, والتأويلات, وسطحية ورعونة الاتهامات, وحمق الحسابات, قال في كلمة صادقة شجاعة كل ما كانوا يودون قوله جماعات وفرادى !!!

أو ليست هذه بداية لزمن جديد وأفق جديد لعلاقاتنا الداخلية الواقعة في بحر مضطرب لا تحمل أمواجه سوى انعكاسات القوى المعادية المحركة, وأبشع صور انهيار الثقة بالنفس, حيث عملت قوى عديدة على رأسها الاحتلال, عملت طيلة سنوات, وضمن تجارب مريرة على تهديم جدران الحصانة الوطنية, وإدمان لعن الذات, وهدم جدران الهيكل الوطني, بزرع هذا الشجر بثماره المرة كالعلقم, وهو شجر انعدام الثقة بالذات, وإلقاء اللوم على الذات واندياح هذه الذات الجمعية الوطنية أمام المقولات الزائفة والمخادعة للآخرين

في هذا الاختبار الكبير المدوي الذي تابعه العالم ليحكم له أو عليه, نجح الرئيس أبو مازن, ونجاحه ليس له وحده, بل لشعبه, ولكل القوى والفصائل والتيارات التي تنتمي حقا لهذا الشعب, فلماذا إذا لا نبدأ مع البداية, ولا نطلق قوة الأمل من قلب الأمل الذي تحقق ؟! لماذا - دون مناكفات – لا ننفصل عن مرحلة الانقسام, وأشواك الانقسام, ومتاهات الانقسام, وانحدارات الانقسام, ومخازي الانقسام ؟؟؟ لماذا لا نبدأ بداية جديدة مع أن البداية قد فتحت أمامها كل الأبواب المتاحة, وماذا تقول تلك القوى المحقونة بالعجز والمكابرة التي لا يخدمها ما تفعله سوى أن تتهم الورد الندي بأنه أحمر الخدين ؟؟؟ وتتهم القمر بأنه اكتمل بدرا, وتتهم الشمس في نورها في ضحاها, وفي نهارها إذا جلاها !!! فهل يمكن لأحد على مستوى العلاقات الداخلية الفلسطينية أن يظل يلوك الحنظل في فمه ويتهمه بأنه مر !!! لا... سقطت هذه المرحلة, لا نريد غائبين ولا مطلوبين, نريد فقط اعترافا بسيطا بسقوط مرحلة الرهان على تدمير الذات الوطنية, تلك مرحلة خلت بما كسبت وما اكتسبت, تلك مرحلة ما قبل الاستحقاق, أما بعد مرحلة الاستحقاق, وخطاب الاستحقاق, وصدق وشجاعة بطل الاستحقاق, الرئيس أبو مازن, فلا بد من همة عالية وصادقة وشجاعة لكي نبدأ من جديد, ننتظر المبادرات, وننتظر المحاولات, وننتظر البدايات, ولكن زمن الانقسام بأعذاره وأدبياته المرتبكة المريضة, وأبطاله غريبي الأطوار, فقد سقط ولن يعود.