غلطة الشاطر

mashni

الحمساوي خانه دهاؤه هذه المرة، فوقع في غلطة الشاطر. لم يكن خطؤه، أنه اقترف ذميمة التماثل في الموقف، مع أعداء شعب فلسطين وقضيته. فقد جرّب ومارس مهارات تمرير مواقف من هذا العيار، قوامها استهداف الحركة الوطنية وسلطتها، وسمعتها، ووحدة النسيج الاجتماعي، وتاريخ المناضلين الشرفاء، منهم ممن قضوا نحبهم ومنهم من ينتظرون. ولطالما انطلت أراجيف الحمساوي على بعض الأقربين وعلى معظم الأبعدين، وصدّق هؤلاء وأولئك، أن تلك المواقف، وإن بدت تسير في خط موازٍ لخط الاستهداف الصهيوني، فإنها لا تلتقي معه، مهما استطالت مسافات التلازم!

هذه المرة، تأبط الحمساوي شراً، وأساء الى نفسه. لماذا ومتى؟ في وقت استكمل فيه كل الأقربين، براهين قناعتهم بأن صاحب شعار التغيير والإصلاح، لا تضبطه قواعد الشرع أو التقوى، في كل سعيه، فلا هو يقاوم ولا هو يريد شيئاً غير الحكم ومباذله ومباهجه. وبدأت البراهين تغشى عقول الأبعدين، لا سيما كلما ازدادت حركة الذاهبين والجائين، من غزة المختطفة التي تنام وتصحو على الأمل في استجماع الهمة، لإطلاق ربيعها الخلاصي. لم يكن ينقص الشاطر، الوقوع في غلطته الغبية، مدفوعاً بغريزته، لكي يشحن السياق الوطني، على الصعيد الكوني، بحسابات وكيديات الخصومة المحلية، فيقول لا لفلسطين في الأمم المتحدة. ولكون الفتحاوي الغلبان، لم ير داعياً لتعكير صفو الحمساوي في غزة؛ فقد ترك الأمور للشعب بدون توجيهات. لم يقل للناس مثلاً، أن يلتزموا أسطح منازلهم وأن يصدروا صوتاً موحداً، ساعة بعد خطاب الرئيس عباس وساعة بعده. غير أن الناس نفسها، لم تترك سانحة إلا وعبرت فيها عن حماستها للموقف السياسي الوطني ولمسعى القائلين به. وبات واضحاً لكي ذي بصر وبصيرة، أن حسبة الحمساوي، انبثقت عن منطق ما قبل الربيع، وما قبل انكشاف الحقائق التفصيلية، وما قبل عفونة الحكم.

* * *

ولكي لا تطالنا مظنة السذاجة، لا بد من الإفصاح عن بعض ما طرأ في الذهن، من الأسئلة والتعليلات، المتعلقة بالموقف الحمساوي من سعي فلسطين الى عضويتها في الأمم المتحدة. فهل تفتق هذا الموقف، عن ذهنية كيدية بحتة مشبعة بعناد فئوي متخلف، أم إنه نتاج تدبير على صعيد آخر، ذي علاقة بجماعة 'الإخوان المسلمين' في مصر؟ فمن المعلوم أن 'الجماعة' وحزبها المتقدم للغوص نيابة عنها في أوحال السياسة؛ ظلا يحاولان استمالة المجلس العسكري، وقيل الكثير عن تناغم أو عن ترضيات متبادلة بين الطرفين، كان أبرزها التأييد الإخواني في استفتاء التعديلات الدستورية، ضد المطالبين بوثيقة دستورية جديدة. غير أن الأمور تبدلت في الآونة الأخيرة، على الرغم من إعلان المجلس العسكري عن عزمه الإعلان عن التفصيلات الإجرائية للعملية الانتخابية، التي قيل إنها ستُجرى حتى الآن في موعدها. ففي الآونة الأخيرة، عارض 'الإخوان' تفعيل قانون الطوارىء، وتجاهلوا معارضة المجلس العسكري التي توافق رغبتهم، لترحيل الانتخابات الى موعد لاحق نزولاً عند طلب القوى القومية والعلمانيين، الذين يتوقعون تقدماً للإخوان وللقوى الإسلامية، إن جرت الانتخابات سريعاً في هذا المناخ العاطفي المشحون. فالأحزاب الدينية تبرع في جني ثمار المظلميات والبكائيات، ثم تسقط بمفاعيل التمكين وانتهاء المظلميات وبدء ظلم الناس باسم الدين. ولكي نعود الى موضوعنا الفلسطيني، يخشى واحدنا أن يكون 'إخوان' فلسطين، قد استرضوا الحلقة المصرية الشقيقة فأهدوها موقفهم. فمعلوم لو أن 'حماس' وقفت مع المسعى الوطني الفلسطيني، فإنه سيتعيّن حكماً على شقيقتها الحلقة الإخوانية المصرية، أن تنزل الى الشارع بقوة، دعماً لفلسطين ضد الفيتو الأمريكي. وهنا ترتفع درجة حرارة النزال مع إدارة أوباما، الأمر الذي سيفسد على 'الإخوان' المصريين، ما تلقوه من وعود بالمساندة و'التفهم' الغربي. ولو كان 'إخوان' فلسطين، قد أحرجوا 'الجماعة' في مصر، وساندوا الموقف الوطني، لسجلوا ضد أنفسهم الكبيرة الثانية بعد كبيرتهم الأولى، وهي التحالف مع نظام بشار الأسد العلماني الفاسد، ضد الحلقة الإخوانية السورية الشقيقة!

غلطة الشاطر الحمساوي، أنه وقع في الوهم، وظن أن ذرائع الموقف الذي يضع الاعتبار الوطني في المرتبة المتأخرة، ويقدم عليه الاعتبار الحزبي؛ ستنطلي على الناس مثلما انطلت ذرائع سابقة، خاصة يحن يُصار الى استخدام السياقات المبتذلة والمستهلكة. فأمام كلمة الرئيس محمود عباس، لم يكن هناك مجال لإقحام اسم الضابط الأمريكي كيث دايتون، ولا الزج بمفردات ومصطلحات التخوين. ومن المفارقات، أن تعليل الشاطر لغلطته، اشتمل على نقاط تجاوزتها التصريحات الحمساوية المعلنة عن الدولة في حدود 67. بالعكس كان أبو مازن في كلمته، يلمح الى الحدود القصوى للحق، ويُبخّس ضمناً من نسبة الـ 22% لذا جاءت نقطة التعليل البائس للموقف الخطأ، بأن في المسألة انتحالاً للتفويض بالتنازل عن أرض فلسطين التاريخية؛ عجيبة ومثيرة للسخرية، وبخاصة حين تصدر عن طرف يسعى الى انتحال التفويض، لكي يتحصل على دولة فلسطينية مستقلة، ي حدود 67 مع حل عادل لقضية اللاجئين وفق قرار 194 !

ارتكب الحمساوي الشاطر غلطته. فهو هذه المرة، لا يواجه فتح مفككة، وعلى سلطتها الكثير من المآخذ، مثلما حدث قبل خمسة أعوام، ثم نقطة على السطر. إنه يواجه الوجدان الشعبي، والحركة الوطنية، والسياق التاريخي للنضال الفلسطيني، ويواجه فصل الخطاب السياسي الوطني والقومي الرصين. من هنا تبدأ حركة الهبوط في منحنى الأكذوبة!

www.adlisadek.net