مغالطتان من جملة مغالطات!

saqallah

ريان يا باذنجان؟'، 'أصابيع البوبو يا خيار؟' دعكم من نداءات باعة البسطات، وهاكم نداء الباعة الجوالين بعد النكبة، كما رواها لي، أمس، أبو إلياس: 'حيفا يافا الرملة اللد/ مسكة نوجا جوز الهند'.

تذكرت طفولتي أول المنفى، عندما كان باعة بسطات البرتقال السوريون يقسمون للاجئين الفلسطينيين أن هذا هو برتقال يافا.. وأمي لا تصدق!

الوزير الليكودي بني بيغن، مع شهادة جامعية في الجغرافيا (مثلي!) يخلص الى القول (اسرائيل اليوم، 25 أيلول) أن 'التخلي عن مهد شعبنا في السامرة ويهودا لن يأتي بسلام.. بل بعكسه بخاصة'.

ما هي حيثيات بيغن الابن؟ أن أبو مازن في خطبة حياته تحدث عن 63 سنة احتلال، لا عن 44 سنة . لا بأس، لكن الحيثية الأساس هي اقتطاف من برامج الاطفال في التلفزيون الفلسطيني.

المذيع: هل زرت المدن المحتلة منذ 1948؟

الطفل: كنت في الخليل.

المذيع: أقصد اللد والرملة وحيفا ويافا وعكا.. هل زرتها؟

الطفل: كنت في حيفا ويافا.

المذيع: أهي جميلة؟

الطفل: أجل!

***

لنقل أن عباس ألقى خطبة 63 عاماً، لكن نتنياهو ألقى خطبة حزقياهو-يشعياهو-نتنياهو، حسب سخرية غدعون ليفي (هآرتس 23 أيلول) وقال، أيضاً: 'عندما يقول عباس أن المشكلة هي المستوطنات، أفترض أنه يتحدث عن حيفا، يافا، بئر السبع'.

لكل خطبته وروايته، لكن في الرواية الاسرائيلية التي صارت كلاسيكية مغالطة حول رفض الفلسطينيين مشروع التقسيم، الذي كان سيعطي 'الدولة العربية' 44% من المساحة، والباقي لـ'الدولة اليهودية'. كان الرفض الفلسطيني محقاً في أوانه وزمانه ومعطياته. لماذا؟

أولاً: حيفا ويافا وعكا أغلى على الفلسطينيين من معاليه أدوميم، أرئيل، غوش عتصيون، التي تريد اسرائيل قضمها وضمها.

ثانياً: هناك غالبية عربية في 'الدولة اليهودية' ومئات آلاف اليهود في 'الدولة العربية'. دون الاستشهاد بندم المرتد بني موريس على عدم استكمال 'التطهير العرقي'، فإن الدعوة الحديثة لـ 'يهودية دولة اسرائيل' تفصح عن أن 'الدولة اليهودية' في مشروع التقسيم كانت ستمارس التطهير العرقي ضد الغالبية الفلسطينية في وقت لاحق.

ثالثا: 'الدولة العربية' ستلحق بالاردن، الذي قد يلحق بسورية لإرضاء فيصل الأول، بغض النظر عن شعار 'حيروت': 'للاردن ضفتان أولاهما لنا، وثانيهما لنا'.

رابعاً: الحجة الأقوى لصالح الرفض الفلسطيني آنذاك، هي أن اسرائيل حطمت العمود الفقري للشعب الفلسطيني، عددياً (700 ألف لاجئ من أصل مليون) وكذلك اقتصادياً وثقافياً.. وما كان الشعب الفلسطيني في مقدوره إدارة دولة، إزاء دولة يهودية مسلحة، ونوعية، وفتية وذات مؤسسات راسخة.. وبالتالي، كان سيفقد هذه الدولة في غضون فترة قصيرة. كنا المهزومين وكانوا المنتصرين.. ولا أهمية كبيرة لـ 44% من الارض، لكن الأهمية لـ22% من الارض الآن، مع بناء الشعب الفلسطيني لنفسه على كل صعيد، وبناء مؤسسات قادرة على حمل عبء الدولة الفلسطينية وإدارتها. الشعب أهم من الأرض أحياناً، ونوعية الشعب أهم من كمية الأرض أحياناً.

***

المغالطة الأثيرة الثانية، وهي أمنية ذات بعد سياسي، أن خصر اسرائيل عام 1967 هو 9 أميال. هذه مغالطة تكفل بتسفيهها كتاب اسرائيليون، لاحظوا أنه من حدود 1967 حققت اسرائيل أكبر انتصاراتها.. لكن، من حدود الأمن الاستراتيجي عام 1973 كان وجود اسرائيل في خطر (الهيكل الثالث في خطر-موشي دايان).

كما حققت 'أوسلو' ربيعاً سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً لاسرائيل، فإن 'الحل بدولتين' سيعني اعترافاً عربياً-إسلامياً حلاً بإسرائيل القوية، المزدهرة.. الخ.

ثمة مغالطات عن كامب ديفيد 2000، وأخرى عن عرض أولمرت على عباس بعد مؤتمر أنابوليس، حيث يقول أولمرت في مقالة له (نيويورك تايمز-الاسبوع الماضي) إن عباس لم يرفض الاقتراح، بل طلب مهلة للدراسة.. ثم ذهبت اسرائيل الى الحرب على غزة! فتوقفت الوساطة التركية بين سورية وإسرائيل، وأيضاً المفاوضات مع أولمرت.

***

في خطبته اقنع عباس معظم شعبه ومعظم العالم، وربما أقنع نتنياهو في خطبته معظم شعبه وبعض العالم.. لكن البلاغة الكلامية لا تشفع للمغالطات.