يمنعون من السفر ولا يستحون

saadeq

في لحظات استعادة التضامن الوطني الطبيعي المفتقد، في مواجهة استهداف المحتلين للإخوة نواب القدس؛ يستمر الخائفون في غزة من الوفاق، والمذعورون من احتمالات استعادة الوحدة لسلطة الشعب وكيانيته السياسية؛ في عبثهم المشبوه، قاصدين إفساد الأجواء الوطنية العامة وتسميم مناخ المصالحة!

هؤلاء المريبون الأغبياء، يزاولون أعمالاً شبيهة بما تفعله سلطات الاستبداد التي تدوسها الشعوب بالأحذية، في هذه الأثناء، وتحبس أنفاسها، وتجرها الى مزابل الأنباء لا الى مزابل التاريخ، إذ هي لا تستحق حتى مزابل التاريخ.

فقد راقت للمنظومة الحمساوية الأمنية، إجراءات منع سفر المواطنين من غزة، فاتخذت من هذه الذميمة السلطوية، وسيلة تطمين للنفس على وضعية 'التمكين' على نحو أسوأ مما فعل وما زال يفعل النظام السوري، حين يجبر المواطنين الفلسطينيين، على أخذ الإذن بالسفر، من فرع مخابراتي يسمونه 'الضابطة الفدائية'. وأغلب الظن أن التيار المشبوه الخائف من الوفاق، الذي تورط أعضاؤه في الإثم وفي دم الناس أو في جرح كرامات الأكرمين أو انتهابهم؛ هو المسؤول عن الكثير من المواقف الفائحة التي تسيء لحماس كحركة كبيرة، كمنع السفر والاستدعاءات والتوقيفات بدون أسباب. ولعل هذا التيار المريب، يرد بمثل هذا السلوك الرميم، على مظاهر التضامن الفتحاوي مع نواب القدس ومع النائب أحمد عطون. وبدا لافتاً في سياق هذا السعار السلطوي، الذي استاءت منه قواعد حماس نفسها وكادراتها؛ تلعلع بوتيرة أعلى، أصوات أولئك الانتهازيين الذين أحبوا السلطة عندما كانت غارقة في الفوضى ولا تعرف كيف تكبح الفساد، وتصادقوا مع الفاسدين فيها، واقتنصوا موازنات لإقامة أجسام تنظيمية انشقاقية، عن حماس نفسها، ومارسوا النميمة ضد الشهيد الشيخ أحمد ياسين وسواه من القادة الذين ثبتوا على انتمائهم واستشهدوا. وحقق هؤلاء الأرزقيون، مداخيل إضافية بالحرام، بينما كانت لهؤلاء أعمالهم ومرتباتهم، ونعرف ذلك تفصيلاً بالأسماء والأرقام، كما نعرف ماذا كانوا يقولون وماذا كانوا يفعلون!

الملعلعون الآن، ضد المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة، الذين أحبوا وصادقوا واسترزقوا مستبشرين بصيغة غزة وأريحا؛ استفادوا بعدئذٍ من حاجة حماس لأي صوت معها، والى لملمة 'الجماعة' فزاودوا على الجميع، كأنهم ظلوا يتألمون من السلطة التي كانت تعلفهم، وتظاهروا بأنهم يكرهونها بأثر رجعي. وفي الواقع هم يطمحون الى استعادة ثقة مفتقدة بهم، لذا تخصصوا بالنبرة التخوينية البذيئة، لعل 'الجماعة' تصدق أنهم جذريون وغيورون أكثر من غيرهم. وليت استعادة الثقة بهم، هي الهدف الوحيد، الذي تدفعهم اليه طبائع الأمور. فالظاهر، هو وجود أهداف أخرى، من بينها تسميم الأجواء الوطنية، باعتبار أن وحدة القوى السياسية ووحدة الكيانية السياسية، سيؤديان حُكماً الى نهاية أدوارهم، عندما يعود القرار الى الناس التي عايشت وشاهدت وأحست وجربت!

قبل شهرين، توافقت الفصائل على إرسال وفد وطني مشترك الى عدة بلدان من بينها تركيا. وفي معبر رفح، أبلغ الفتحاويون بأنهم ممنوعون من السفر. أحس زملاؤهم الحمساويون، بالحرج والأسف الشديدين، ودخلوا في نقاش كواليس مع 'إخوتهم' من عناصر المنع أو بالأحرى من عناصر الإبلاغ بالمنع. وسرعان ما ظهر جلياً، أن صاحب القرار غير المرئي، وهو على الأرجح من فئة الخائفين من المصالحة ومن 'المجاهدين' ضدها ومن الحريصين على إفشالها وعلى استمرار 'التمكين' وقمع المقاومة؛ لا يريد أن يتزحزح عن موقفه. وكان واضحاً أن لا ذريعة أمنية او سجالية للمنع، لأن الأجواء الفلسطينية العامة كانت تصالحية. ولم يصدق الحمساويون من أعضاء الوفد، أن جماعتهم سيتمسكون حتى نهاية اليوم، بمنع السفر، فاقترحوا انتظار الفتحاويين في العريش. إلا أن المنع كان صارماً. المهم سُمع الحمساويون يتحدثون عن فعل مبني للمجهول، ليس فيه سوى نائب الفاعل، وعن أمر لا يعرفون سره. ففي هذا الخضم، ليس صعباً أن يقال بأن الأمر يتعلق بمتورطين لا يستحون، نبشرهم منذ الآن بمصير اشقائهم من أعوان المستبدين، من طراز الشبيحة أو خيّالة 'موقعة الجمل' في ميدان التحرير!

بدون مجاملة، هناك كثيرون من حماس، صادقون وليسوا ذوي مواويل، ولم يتورطوا مع الإثم ولا مع الناس، وهؤلاء ظنوا أن الأمر جهاد على طريق الإسلام. لكن الذين يرسمون المواقف السيئة على لسان الحركة، يعجلون في انعقاد الاجماع الشعبي على رفضها. أما الذين يمنعون خلق الله من السفر بمعدلات أعلى من مثيلاتها أيام الاحتلال الإسرائيلي، وتطال تدابيرهم المناضلين والوطنيين انفسهم، الذين كان الاحتلال يمنعهم؛ فإنهم أغبياء ومريبون يخوزقون حماس نفسها. كذلك يفعل الذين يتعمدون تغييب الموقف الحقيقي للمجتع الفلسطيني من ثورة السوريين، وتتفوق تلفزتهم على التلفزيون الإيراني في التجاهل المُعيب لسفك دم إخوتنا في المدن والقرى والأرياف والمخيمات الفلسطينية. فحتى شريط الأنباء على شاشة التلفزة الحمساوية، ينكر وجود شهداء حرية في سورية، ولا يأتي على ذكرهم أو ذكر الجرائم التي يتعرضون لها. إن القائمين على ممارسات كهذه، يحكمون على انفسهم بأنفسهم أنهم كاذبون، بخاصة عندما يتشدقون بالحديث عن العمق العربي الإسلامي، وعن وحدة وجدان الأمة الإسلامية، وعن الحق الذي يعلو ولا يُعلى عليه!