خطأ طبي يودي بحياة أم وطفلتها

خطأ طبي يودي بحياة أم وطفلتها

الأطباء يخفون الملفات التي تدينهم، والشاهدة على الجريمة تروي التفاصي

قد لا يكون جديدا على الشعب الفلسطيني ذلك الإهمال الذي يحصل في المستشفيات الخاصة والعامة مِن قِبل الأطباء، ففي كثير من الحالات تكون الأدلة التي تدينهم واضحة، لكن خللا ما يحدث فلا يُعاقب الطبيب المُخطئ على فعلته، ولا يأخذ القانون مجراه، وينتهي الأمر بضياع حق المواطن الذي تحول إلى ضحية لم تعد تثق بالكادر الطبي والقضاء لعدم إنصافهم لها.

من بين هؤلاء الضحايا كانت فاتن أبو بكر (30 عاما) التي توفيت أثناء ولادتها في مستشفى الرازي التخصصي، نتيجة إهمال الطبيبة المشرفة عليها، ومتابعة حالتها عبر الهاتف، لتلحق بها إبنتها بعد يوم من وفاتها.

انتصار أسعد السيلاوي من قرية زبوبا قضاء جينين كانت شاهدة على جريمة وفاة فاتن، رأت بِعينها كيف ماتت دون أن تجد بجانبها طبيبا ليُنقذ حياتها، وسمعت بأذنها كيف أخفى الأطباء أوراق وفحوصات من ملف فاتن تدينهم وتثبت إهمالهم .

الطبيبة تابعت الولادة على الهاتف والنتيجة: وفاة الأم وطفلتها

ولادةُ عن بُعد، هكذا يمكن أن نسميها، الطبيبة المشرفة على حالة فاتن، كانت تتابع ولادتها على الهاتف رغم الاتصالات المكثفة التي أجراها أحمد أبو بكر زوج المرحومة، والممرضات "حسب رواية الشاهدة"، والتي أخبروها فيها أن حالة زوجته سيئة وتحتاج لعملية فورا.

يقول زوج المرحومة\ :" دخلت زوجتي مستشفى الرازي( الخاص ) في جينين، في السابعة صباحا بناءا على طلب الدكتورة سناء الطاهر المشرفة عليها، حيث أشارت علينا بذلك عندما كنا في عيادتها قبل يوم من وفاة زوجتي، وفي الثامنة صباحا جاءت الدكتورة سناء وقالت لي أن الحالة مستتبة وبإمكاني مغادرة المشفى لكني رفضت، ومن ثم ذهبت ولم تعد إلا بعد وفاتها، بعدها بقيت زوجتي ساعات دون إشراف وبدأت حالتها تسوء وطلبت أن تلد بعملية، فاتصلت بالدكتورة سناء الطاهر وأخبرتها بخطورة وضعها، لكنها لم تأتي لتتابع حالتها وقالت لي أنها بخير وأنها تتابع الحالة مع القابلات على الهاتف، لكن وضع زوجتي كان يسوء أكثر فأكثر، ولا أدري بأي قانون إنساني ومهني يمكن الحكم على مريضة إن كانت بصحة جيدة أم لا من خلال الهاتف؟! ولم تأتي إلا بعد وفاة زوجتي، ولدي كشف بمواعيد الاتصالات التي أجريتها مع الدكتورة سناء تثبت اتصالي بها عدة مرات، والأطباء يشهدون على عدم حضورها.

بعد ذلك قاموا بإعطائها طلق اصطناعي مما أدى لانفجار السائل في الرحم ومن ثم الوفاة، ولم تأتي الطبيبة المشرفة، وبعد وفاتها قامت الدكتورة منار العبوشي بشق بطنها واستخراج الطفلة على عاتقها وكانت غير ميتة إلا أنها توفيت في اليوم الثاني لوفاة والدتها".

ويضيف :" بعد كل هذا الإهمال الواضح خرجت اللجنة التي حققت بالموضوع شكليا بأن سبب الوفاة هي جلطة على الرئة، رغم أن كل الدلائل والشهود يثبتون العكس، أنا تدمرت كُليا بعد وفاة زوجتي وخسارة طفلتي، وأطفالي الستة أصبحوا أيتام، من سيأخذ لنا حقوقنا ؟".

شاهدة على الجريمة

شاء القدر أن تتواجد انتصار السيلاوي بنفس غرفة المرحومة فاتن، يفصلها عنها قاطع صغير حسب وصفها، حيث كانت مرافقة لزوجة أخيها التي تنتظر مولودا، وكانت فاتن بصحة جيدة كما رأتها، وبعدما أعطيت الطلق الاصطناعي ولم تجد من يُتابعها ساء وضعها بشكل مفاجئ، لتنتقل روحها إلى رحمة الله دون أن يكون بجانبها لا طبيب ولا ممرضة على حد تعبيرها.

تقول انتصار:" بعدما لفظت فاتن أنفاسها الأخيرة جئن الممرضات ونادينَ الأطباء، في البداية وصل الدكتور (س) وبعد فحصها قال بالحرف الواحد للدكتورة منار العبوشي التي وصلت بعده :" لقد خَسرنا المريضة، لماذا تأخرتم عليها؟ كان يجب أن تجرون لها عملية منذ أكثر من ساعتين، فأجبن الممرضات أن الخطأ بسبب الدكتورة سناء الطاهر لأنها هي المشرفة عليها وكان يجب أن تحضر لكننا إتصلنا عليها عدة مرات وكانت تقول لنا أنها لا تستطيع أن تترك عيادتها لأنها مليئة بالمراجعين".

وتضيف:" سمعت الممرضات يحاولن الاتصال بها أكثر من مرة لتأتي، لكنها لم تحضر إلا بعدما بدأوا بإخراج الجنين من بطن الأم الميتة (خارج غرفة العمليات)، وعندما وصلت صُدمَت بما حصل ولم تقترب من المرحومة ولم تشارك بالعملية، وكان الطاقم الطبي يحملها المسؤولية بسبب عدم اكتراثها للتواجد مع المريضة، حيث قال لها الدكتور (س): "خسرنا المريضة بسبب تأخركِ عليها" ، كما عاتبتها الممرضة(ر) وهي تبكي قائلة لها :" لقد دمرتِ عائلة بأكملها، كيف ستنامين الليل؟"، وقد بررت الدكتورة سناء تأخرها أنها كانت متابعة للمريضة على الهاتف، وأن حالتها كانت طبيعية".

وتتابع:" عندما رأيت دم فاتن وصل لسرير زوجة أخي صار عندي فضول لأرى أكثر، قاموا بتغيير الشراشف المليئة بالدم، وتنظيف المكان وكأن شيئا لم يحدث، وحذروا من إخبار أقاربها بوفاتها في ذاك الوقت خشية صدمتهم بفقد الأم وابنتها، وحمل الدكتور (م) الطفلة من قدمها والدم ينزل منها، وألقى بها على سرير زوجة أخي دون مراعاة لمشاعرها، مما أدى إلى إصابتها بالذعر وبعدما كان مقرر لها أن تلد ولادة طبيعية تم تحويلها لعملية بسبب الخوف الذي حصل لها من وفاة فاتن وتصرفات الأطباء وكأنهم عصابة ".

إخفاء الملفات

لم يكتفي الطاقم الطبي بموت فاتن وإبنتها بل قرروا إخفاء الحقيقة ومسج الأدلة التي من شأنها أن تدين الطبيبة المشرفة عليها سناء الطاهر كنوع من التضامن مع الجلاد ضد الضحية.

انتصار سمعت وشاهدت حديث الأطباء قبل الإعلان عن وفاة فاتن حيث قال أحدهم:" إخفوا هذه الأوراق من الملف، لأنها ستسبب لنا مشاكل، ومن ضمن الأوراق التي أخفوها نتيجة الفحوصات وتخطيط القلب الذي أجري لها قبل وفاتها والتي تُثبت أنها كانت طبيعية قبل الوفاة".

وتضيف انتصار: " عندما واجهتهم بما فعلوه وصرخت بهم أخرجوني من الغرفة غصبا عني، حيث أنهم من شدة ذعرهم لم ينتبهوا لوجودي وسماعي لكل ما حصل، وقد أغمي عليّ بسبب رؤيتي لما فعلوه، خاصة عندما وضعوا القطن في بطن فاتن، ورؤيتي لكمية الدم الهائلة التي نزفتها، وأنا شخصيا مستعدة لمواجهتهم بالمحكمة بكل كلمة قالوها، وبيني وبينهم كتاب الله ".

الطبيب الشاهد: "إن لم يُسجن الأطباء سيستمر مسلسل الإهمال"

الدكتور نضال أبو بكر المدير السابق لمستشفى الرازي في جينين سَخِرَ من الأسباب التي وضعتها اللجنة للوفاة قائلا:" أصبحت الجلطة الرئوية سببا معد مسبقا لكل حادثة إهمال طبي تسببت بالوفاة، وإذا لم يُعاقب الأطباء المقصرين ويُحاكَموا وتصادر أموالهم التي يهتمون بها أكثر من حياة المرضى فلن يكون هناك أي رادع لبقية الأطباء وسيستمر مسلسل الإهمال الطبي".

ويضيف :" المرحومة كانت كل ولاداتها الستة السابقة طبيعية، ولم تكن تعاني من شيء قبل ولادتها، علميا عندما ينفجر السائل في الرحم لن يستطيع أحد إنقاذها، وعندما استدعوني لرؤية الحالة كانت قد توفيت وكان هذا حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر، والجلطة الرئوية سبب غير مُقنع للوفاة، ويمكن القول أن تأخر الطبيبة المشرفة كان سببا رئيسيا في تدهور صحتها ومن ثم وفاتها، فعندما وصلت لإنقاذ المرحومة كانت قد توفيت، ولم تكن الدكتورة سناء الطاهر موجودة عندها " أي أنها لم تكن في المشفى لتقوم بواجب مريضتها" ، والذي أنقذ الطفلة هي الدكتورة منار العبوشي ".

الدكتورة منار العبوشي التي أنقذت الطفلة بعد وفاة والدتها قالت أنها تواجدت عند المريضة بعد سماعها في مكبرات الصوت ضرورة وجود الأطباء لحالة طارئة، وبعدما تأكدوا من وفاة الأم قامت بإنقاذ الطفلة، لكنها لم تنتبه إن كانت طبيبة المرحومة متواجدة أم لا، وقالت:" لا أذكر إن كانت الدكتورة سناء موجودة أم لا، لكن عندما بدأت عملية إخراج الطفلة كانت أمامي، قبل ذلك لا أذكر لربما لأن الوضع كان مُربك جدا ".

الطبيبة المتهمة بالإهمال – سناء الطاهر - بعدما نفت وجود خطأ مشن قبلها خلال مقابلة معها على الهاتف، طلبت منا الحضور للعيادة لإبداء رأيها بما حصل، ولم تعترف بالتسجيل الصوتي، لكنها رفضت الحديث معنا عندما توجهنا لعيادتها، وأغلقت فمها خشية أن يظهر صوتها بالتسجيل، وحاولت أخذ الكاميرا ومسجل الصوت بالقوة .

إكتملَ النِصاب... ما الذي ينتظرهُ القضاء؟

بعد وضوح هذه الأدلة، وشهادة أطباء وأطراف رأوا بأنفسهم الجريمة، تستغرب عائلة فاتن كل ذلك الوقت الذي يستغرقه القضاء لمعاقبة الجاني، وتأمل والدتها من المحكمة أن تأخذ القضية على محمل الجد ولا تحكم لصالح الأطباء فقط لأنهم أصحاب نفوذ وهم لا سند لهم، كما تشير إلى أن وكيل النيابة الذي حقق معها كشاهدة في القضية، أخبرها أن المستشفى لم يقوم بتبليغ النيابة العامة والمحكمة بحادثة وفاة فاتن كما يحصل في الحوادث المشابهة حيث تُشرح الجثة وبناءا على نتائج التشريح يظهر سبب الوفاه.

الدكتور اسحق البرقاوي، المحامي الموكل بهذه القضية يقول أنهم رفعوا القضية إلى محكمة جينين منذ عدة أشهر، وقد استدعت المحكمة بعض الأطراف، ولا زال العمل جاريا بالقضية، لكن لا نتيجة مؤكدة على أرض الواقع لغاية الآن .

طبيبة تتابع مريضتها على الهاتف، لا تكترث بكم الاتصالات التي تُخبرها أنها في خطر لأنها غير قادرة على ترك عيادتها الخاصة المليئة بالزبائن، ومستشفى خاص لا يتوفر فيه طاقم طبي بديل في حال حدوث طارئ، ولا يقوم بتبليغ المحكمة أو الشرطة بالحادثة كي يتلاشى تشريح الجثة وإظهار الحقيقة . أوراق تدين الطبيبة يتم سحبها من الملف لإخفاء الجريمة، وشاهدة تروي تفاصيل ما جرى، الضحية أم لا تتجاوز الثلاثين ربيعا، وطفلة عمرها يوم، وأبناء صغار صاروا أيتاما بتوقيت الإهمال الذي لا يتوقف.

 

.زمن برس - مجدولين حسونة