علامات على الطريق - من فلسطين القضية الى فلسطين الدولة

aboain

ثمة أسئلة محيرة في بعض مواقف المعارضة الفلسطينية التي وقفت ضد الخطوة الفلسطينية بالذهاب الى الأمم المتحدة، والأسئلة لا تتعلق بالموقف المعارض، بل تتعلق باللغة، بالقاموس السياسي الذي انزلق اليه هذا الموقف المعارض، أي استخدام نفس المصطلح الاسرائيلي باتهام الرئيس أبو مازن بأنه يقوم بخطوة أحادية، انفرادية وأنها قفزة في الهواء... الخ.

معروف أنه منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة قبل عقود، هناك دائما خلافات، وتباينات ورؤى متعددة، ووجهات نظر متعارضة، حتى أنه تشكل لدينا دائما جسم للمعارضة الفلسطينية، يتسع أو يضيق حسب الظروف والعوامل المحيطة بنا، وكانت لهجة المعارضة في بعض الأحيان تصل الى التخوين والتكفير، ولكن لم يحدث ولو لمرة واحدة أن استخدم المعارضون نفس مصطلحات دولة الاحتلال، بل انه حتى حين حاول الاحتلال اختراق الصف الوطني داخل فلسطين باختراع ما يسمى روابط القرى، فان تلك الروابط التي كانت صناعة اسرائيلية مائة في المائة لم تجرؤ على استخدام نفس مصطلحات الاحتلال الاسرائيلي، بل تظاهرت بأنها فقط تريد تسهيل حياة الناس اليومية ليس الا!.

لماذا اذا في هذه المرحلة نرى هذا الانفلات، والتهور، وعدم التبصر، فتشن حملة ظالمة على الرئيس، لدرجة أن احدى صحف المعارضة بلغ فيها التهور الأعمى الى حد أنها طرحت صفحة كاملة يوم الخميس الماضي، قبل القاء الرئيس أبو مازن خطابه بيوم واحد، سؤالا مثيرا للعجب والدهشة والصدمة والتساؤل الحاد، سؤال يقول « ماذا لو دعا نتنياهو الأمم المتحدة للاعتراف بفلسطين؟».

بطبيعة الحال، ما دام شخص ما، أو جهة ما تجرأت على طرح هذا السؤال العجيب والعبثي، فلا بد أن يكون هناك شيء ما، وأن وراء الأكمة ما وراءها كما يقول المثل.

تعددت الاجابات عن أسباب هذا السلوك الأرعن، المتهور، الذي يسيء الى الذات، فهناك من يقول على سبيل المثال، ان اسرائيل والولايات المتحدة، كانتا على يقين من خلال معلوماتها الأمنية، أن الرئيس أبو مازن سيتراجع في اللحظة الأخيرة! ومن هناك جاء جنون الاتهامات وتهورها، وجاءت رغبة حقيقية في توجيه رسائل الى الجهات التي كانت تعتقد أن الرئيس أبو مازن سيتراجع، وهما اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية

على كل حال:

فشل اسرائيل والولايات المتحدة في توقعاتهما لم يعد سرا، فقد انفضح الأمر على الآلاف من وسائل الاعلام في العالم.

نترك هذه المسألة على خطورتها، لنتابع الصدى الحي الذي تركته خطوة الرئيس أبو مازن، وخطابه المدروس بعناية والذي ألقاه من فوق منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذه الحوارات المفتوحة في كبريات الصحف الأميركية وخاصة «نيويورك تايمز»، والمقالات التي كتبها الرئيس السابق جيمي كارتر، والكاتب المشهور فريدمان، والكاتب والمفكر سالانوف، وعشرات غيرهم يلقون التحليلات، ويطرحون الأسئلة في معظم وسائل الاعلام الأميركية.

قناة الجزيرة بالانجليزية، التي أصبح لها جمهور عريض جدا في أميركا، قامت مشكورة بجهد مهني هائل لتنشيط هذا الحوار من خلال عرضها المستمر لخطابات الرئيس الأميركي باراك أوباما منذ وصوله الى البيت الأبيض وحتى الآن، حديثه عن حل الدولتين، حديثه عن الاستيطان الاسرائيلي كعقبة في طريق السلام، وعدم اكتساب هذا الاستيطان أي شرعية، وضرورة وقفه! وحديثه في افتتاح أخر جولة من المفاوضات في واشنطن في أيلول عام 2010 وتأكيده على رغبته في رؤية دولة فلسطين عضوا في الأمم المتحدة خلال سنة! ثم عرضت الجزيرة خطاباته وأحاديثه الأخيرة، فكان هناك النكوص على الأعقاب، والانقلاب على الذات، وخاصة بعد الفشل الذي مني به الحزب الديمقراطي في الانتخابات النصفية، وفي آخر انتخابات تكميلية جرت في نيويورك قبل أيام.

شكرا لقناة الجزيرة على جهدها المهني المدروس الذي يمد المشاهد بالحقائق، ويفتح أمام عقولهم المزيد من الأسئلة.

وما دام الأمر كذلك على مستوى الرأي العام الأميركي، والعالمي بما فيه الرأي العام العربي والاسلامي، فان بعض قوى المعارضة الفلسطينية لا تستطيع أن تواصل أسلوبها القديم، لغتها القديمة، مصطلحاتها المتهورة، لا بد من صحوة، من عودة الوعي، ومن العودة الى احترام الذات، وعدم المتاجرة بالانقسام والتمسك به ليكون خنجرا ضد أي نجاح فلسطيني، هذا الحلم الفلسطيني بالدولة المستقلة وعاصمتها القدس

الملاحظة الأخيرة التي كنت أريد تسجيلها في هذا النطاق، أن الحوار العميق والواسع الذي انفتح وما زال بعد الرئيس، لم يتوقف كثيرا عند الانقسام، لم يعتبر هذا الانقسام ورقة جوهرية، حتى اسرائيل لم تعد قادرة على المتاجرة بورقة الانقسام! فالأسئلة التي طرحها وأثارها خطاب الأخ الرئيس أكبر بكثير وأعلى سقفا من محاولات اسرائيل لاستغلا الانقسام مثلما بلغت في السنوات السابقة! وهذه الحقيقة تكون مدخلا لاعادة النظر الى الانقسام بصفته غير قادر موضوعيا على تحقيق مكاسب لأي طرف، حتى أولئك المستفيدين منه مهما كان انتمائهم فانهم يشعرون أن أضراره القاتلة ضدهم أكبر من أية مكاسب مؤقتة يستفيدونها منه

لقد بدأت مرحلة جديدة،

والأدوات التي كانت تصلح في الماضي ومنها الانقسام لم تعد تصلح في المرحلة الجديدة.

من فلسطين القضية الى فلسطين الدولة هناك تغير حاسم.