البلدة تشتعل

مظاهرات

إحراق أبو خضير وعائلة دوابشة حرك الساحة السياسية لمواجهة المتطرفين اليهود

دولة كاملة، يمين ويسار، تبذل جهدا لتنظيف وصمة احراق عائلة دوابشة في قرية دوما، ولدى محامي الشيطان الذي خلق هذه المشانة، بدءاً بمحاميهم وانتهاء باصدقائهم مثل النائب السابق ميخائيل بن آري، الوقاحة للادعاء بان حقوق المشبوهين انتهكت كونهم «لم يروا محاميهم». حسنا، لم اشك ابدا بوجود العقل السليم او احساس العدل لدى هذه الجماعة، وتبين بان هذه ليست سوى البداية.

التواصل يتعلق مباشرة بكيفية رؤيتهم لواقعهم: «الفلسطينيون القتلة يحظون برؤية محاميهم على الفور عندما يعتقلون»، يقول بن آري ذاته. «انا لا اصدق ما اسمعه»، قلت لبن عامي الذي طلب رد فعلي، أي رد فعل اليسار المتطرف، في تلك المقابلة. «الاف الاعتقالات على مدى عشرات السنين دون محامين مرت في المحكمة العسكرية في عوفر، وهؤلاء يتذمرون من حدث يريد كل العالم أن يحله؟».
محامو المشبوهين يروون عن «اقبية المخابرات» وعن «التنكيل» الذي يجتازه المشبوهون، وليس هذا بالطبع سوى هراء تام. احد لا يعرف كيف تتم معاملتهم. وبالتأكيد يحتمل أن يكونوا يحظون بمعاملة خمس نجوم بقفازات من حرير، بما في ذلك المساج وباقي الاغراءات والتلاعبات التي هي ادوات تحقيق لا تقل «نجاعة» بل ولعلها اكثر. فالحديث يدور عن غسل عقول فتيان تدربوا وتربوا (كراسة الكهاني الخليلي نوعام فيدرمان) على مواجهة التحقيقات، بما فيها تلك التي على حدود العنف. بشكل عام، كل من اجتاز في الجيش ورشة الاسر ورأى بعض الرفاق الذي يزعم بانهم رجال ـ رجال ممن فقدوا صوابهم، يعرف بان التنكيل بالمعنى المقبول ليس السبب دوما.
كجزء من خط الدفاع والدعم للمشبوهين (خشية أن يشوا بالباقين) نظمت مظاهرة تأييد «عفوية»، كان يفترض أن تشجع الخاضعين للتحقيق للمواظبة على صمتهم والاحتجاج على «التنكيل». من جهة، توجد قصص عن أن المحققين طلبوا الاذن لاستخدام «وسائل اخرى» للضغط على هذا الصوص أو ذاك لحمله على التعاون.
انا مقتنع بان احدا لا يعلق محققا معه مضمد العينين في كيس من السقف ويضربه بنبوت ـ وقد سبق لهذه الامور ان حصلت. في 1987 تشكلت لجنة لنداو، التي حاولت تنظيم الامور في موضوع التعذيب في التحقيقات، وصاغت قواعد السلوك التي يمكن انتهاكها في حالة القنبلة المتكتكة. وبالفعل، فان قنابل الإرهاب اليهودي سبق أن تفجرت وهي ستواصل التفجر إذا لم يساووا بين تحقيقات الإرهاب الفلسطيني واليهودي.
«ماذا؟! أهناك فرق في التحقيقات بين اليهود والعرب؟» ـ غئولا ايفن كانت مصدومة حقا حين شرح رون بن يشاي في القناة الاولى بانه يوجد فرق في التحقيق بين اليهودي والعربي. جدعون ساعر لم يسبق أن روى لها. ولعله هو ايضا لا يعرف. وكيف سيعرف؟ فقد كان منشغلا بطرد اللاجئين.
ما استفز الساحة السياسية، ولا سيما المخابرات، للخروج عن عادة «اليهود أبرياء دوما بصفتهم يهودا» لم تكن تذمرات الإعلام اليساري من الاخفاق الدائم في العثور على الإرهابيين اليهود، بل شدة الصدمة الجماهيرية على احراق الفتى ابو خضير وعائلة دوابشة برضيعها في دوما. وعندما يؤتى بهذه الوجبة على طبق إلى الصالون، مع رائحة احتراق، فان هذا يكون يتجاوز قدرة احتمال الإسرائيلي العادي.
من هنا ايضا الحفظ، الشجب وحملة الانعزال التي يمارسها اليمين الديني ـ القومي مقابل الاصولي والمناهض للقومية. لدى هؤلاء ربهم وصهيونيتهم نزلا عليهم في لوح محفوظ من جبل سيناء ولدى اولئك ربهم يفوق ايضا على الصهيونية وعلى الدولة على حد سواء.
وباستثاء المشادة الداخلية يدور الحديث عن ذات الامر مع بعض التغيير، ذات التكتيك وذات الهدف: فهؤلاء واولئك يؤمنون بانه إذا ما نغصنا حياة الفلسطينيين فانهم سيحزمون امتعتهم وينصرفون. إلى اين؟ توجد لهم 22 دولة عربية، كما يقولون في ارجاء الكون الموازي للواقع.
في الثمانينيات عمل في المناطق الاخوان الكبار لفتيان التلال، اعضاء التنظيم السري اليهودي. ونفذت هذه العصابة افعالا لا تقل سفالة واجراما. فقد زرعوا عبوات ناسفة في باصات (حسنا، فرفع العرب إلى السماء في انفجار «جريء» ليس كاحراقهم وهم احياء) واكثر خطورة (التخطيط لهدم الاقصى). اولئك المجرمون امسك بهم، حوكموا وحبسوا، ولكن المؤسسة اليمينية حاخاميها وفروعها في الحكومة حصنتهم من النقد. الاغلبية الساحقة من المستوطنين ومؤيديهم أيدوهم ويؤيدونهم حتى اليوم. واليوم، بعد أن دفعوا دينهم للمجتمع، يحاولون الفرار من كل شبهة نحو دين أو فكرة أو فعل لفتيان التلال الذين هم عظامهم ولحمهم، وهم يبثون من على كل تلة سليمة وتحت كل شجرة مقتلعة بان هذا ليس نحن وليس طريقنا. اما الحقيقة فهذا هو الطريق وهذه هي الاساليب المطروحة لطرد الفلسطينيين من الضفة.
ويبدو أن هذه هي ذات المخابرات ايضا. في عهد الانتفاضة الثانية عربدت في الضفة عصابة قتلت نحو عشرة فلسطينيين. وفي اثناء التحقيقات القي القبض على مشبوهين، وعثر على مخزن للسلاح في مستوطنة (شيلو)، وشخصت مطابقات بين الرصاصات في ساحة القتل وبعض الاسلحة. اما المخابرات، في حينه مثلما هو الحال اليوم، فقد ادعت بانه معروف عما وعمن يجري الحديث، ولكن عقب «قيود الادلة» لا يمكن ادانة المشبوهين.
بشكل عام، كل جرائم الكراهية سيغطيها الزمن. فكلما ابتعدنا عن العناوين الرئيسة يسيطر الطمس المفهوم في الوعي الإسرائيلي على كي الحدث. ولكن لماذا ننزل باللائمة على اجهزة العدل وانفاذه عندما يعمد المستشار القانوني للحكومة إلى «فحص امكانية توجيه التعليمات للشرطة لفتح تحقيق في الحالات التي اطلقت النار فيها على المخربين بعد أن تم تحييدهم… وكل استخدام للنار بعد أن كان منع الخطر على سلامة جسد أو حياة الانسان يشكل خروجا عن تعليمات القانون.
ولسذاجتي اعتقدت بان من يطلق النار على شخص عديم الوسيلة يفترض أن يعتقل على الفور حتى انتهاء الاجراءات القانونية في الطريق إلى المحاكمة بتهمة القتل. ولاحقا، مع محاولة ربانية وشهادة من طبيب نفساني عن حالته النفسية في اثناء الحدث، فانه سيحاكم على التسبب بالموت وليس القتل المتعمد. ولكن «فحص»؟ «امكانية»؟ ما هذا؟ ايال شني «يفحص امكانية «التحقيق مع حبة بندورة؟
افترض أن المخابرات لا تريد «فحص امكانية» لاغلاق ملف عائلة دوابشة بل حل لغزها لغرض الادانة. فبعد عشرات السنين ومئات الضحايا حتى هناك فهموا بان هدم المنازل هو محرك نمو للإرهاب، وملف القتل الشنيع المفتوح هذا هو مدخل للإرهاب الفلسطيني المضاد وربما حتى أحد الاسباب للهجمة الإرهابية اليائسة الاخيرة.
غير أن كل هذا تكتيك. ففي محادثات خاصة تسمع التبرير الاستراتيجي لعملية التنكيل واعمال الإرهاب التي جاءت من البيت اليهودي في «التنظيم السري اليهودي» وفي الاحداث غير محلولة اللغز لإرهابيي تنظيم «بات عاين» ممن مكث بعضهم (القليل جدا منهم) في السجن، وحتى التنظيم السري المحب للحرائق الخاص بالرب في هذه الايام. في اطار الرد اليهودي الفخور الذي يستجيب لمشكلة التهديد الديمغرافي، الاحظ في تلك المحادثات ايضا ذرة فخار وأمل بسبب حجوم الهجرة الفلسطينية من الضفة.
الرد الاستراتيجي هو الرحم اليهودي و «التشجيع» بالقوة والهجرة في اعقابه. فقد نشر د. عمونيل نافون في موقع «ميدا» بانه في العام 2004 هاجر نحو 10 الاف فلسطيني من الضفة، في 2008 نحو 28 الف، في 2011 نحو 16 ألف ونحو 10 الاف كل سنة منذئذ، ولا سيما إلى الاردن. معظمهم يفعلون هذا لانهم ملوا العيش تحت مظلة التهديد، الاهانة، سلب الاراضي، وباقي الوسائل الرامية إلى مضايقتهم إلى أن يملوا فينصرفوا من هنا.

حرره: 
م.م