مصر: مليونية 24 أغسطس وحماية جذوة الثورة

قد لا نبالغ إن قلنا بأن مستقبل الديمقراطية في مصر وربما في المنطقة العربية بأسرها، يتوقف على كيفية تعامل السلطات المصرية الرسمية مع " مليونية " اليوم / الجمعة، التي دعت لها بعض قوى الحراك المجتمعي، التي لا ترى في ثورة 25 يناير مجرد عملية انقلاب سياسي، أسقطت نظام حكم الفرد لتحل مكانه نظام حكم الجماعة ! فخلال عام ونصف مضت على إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك، استمر الحراك الشعبي في التظاهر والتفاعل، حتى نجح في فرض انتخابات برلمانية ومن ثم رئاسية، حرة ونزيهة، أحدثت انقلاباً سياسياً مدوياً، كان من نتيجته ان أواصل الى الحكم قوى سياسية بحكم انها منظمة منذ سنوات طويلة، واستنادا الى حداثة التجربة الديمقراطية، اقتصرت على القوى المحافظة والتقليدية في المجتمع، واقتصرت بالتحديد على جماعة الإخوان المسلمين، الذين فازوا بأغلبية مجلس الشعب ومنصب الرئاسة، مع حليف سلفي لا يقرر في مجلس الشعب الا في تحديد طبيعة الدستور وسن القوانين العامة.

وبالنظر الى ان القوى الأخرى، اليسارية والليبرالية وحتى المجموعات الشبابية التي فجرت ثورة 25 يناير، لم تجد لها مكاناً، لا في السلطة التنفيذية ولا التشريعية، فإنه يمكن القول بأن حكم مصر الحالي انما يستند الى الأغلبية البسيطة التي لا تتعدى الـ 2%، التي فاز بها محمد مرسي على منافسه احمد شفيق. وبالنظر أيضا الى ان المصريين ذهبوا، بعد توافق او تحالف غير مقدس بين الأخوان والمجلس العسكري السابق، الذي قاد البلاد خلال الفترة الانتقالية، الى انتخابات رئاسية، ابقت على صلاحيات مركزية للرئيس، بعد تعديل طال فترة الرئاسة التي حددت بولايتين فقط، فان النتيجة تعني قيادة البلاد _ على الأرجح _ الى تكرار تجربة الحكم المستبد، خاصة وان الرئيس المنتخب، سارع الى استخدام صلاحياته، وتجاوز حتى السلطة القضائية التي سبق لها وان قضت بحل مجلس الشعب .

اقدام الرئيس مرسي على إصدار مرسوم بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل، لا يكرس فقط من خلال إعادة مجلس شعب لجماعته فيه الأغلبية المطلقة، حكم الحزب الواحد، ولكن أيضا يفتح الباب واسعاً على تحجيم السلطة القضائية على طريق إكمال انقلاب جماعة الإخوان على الحكم والقبض التام على كل مفاتيح السلطة بمستوياتها الثلاثة : التنفيذية _ الرئاسة والحكومة، التشريعية _ مجلس الشعب، والقضائية. ولعل اندفاع الرئيس الإخواني وجماعته السياسية، فور تسلمه سلطاته، الى ملاحقة وتضييق الخناق على معارضيهم السياسيين، وحتى الإعلاميين، يفسر تعزيز المخاوف المتزايدة من نزعة الحكم الجديد نحو فرض حكم متشدد بكل معنى الكلمة .

ولعل أسوأ الإشارات قد جاءت من قبل بعض منظري النظام الجديد من الدعاة والفقهاء، الذين وصل بهم الأمر الى حد تحريم التظاهر، والتهديد بقتل المتظاهرين، بحجة ان ذلك يعتبر "حرابة" وخروجا على ولي الأمر، وتناسوا بذلك ان مثل هذا القول كان ينطبق على الحكم السابق، وعلى كل حاكم مستبد، فولي الأمر انما هو حاكم متغلب منذ ان "بايع" المسلمون معاوية، وتم تفسير الأمر على انه درء للفتنة ومبايعة للحاكم المتغلب. تبدو إذاً "مليونية" اليوم بمثابة إعادة اعتبار لثورة 25 يناير بمضمونها ومحتواها، ودفاعاً عن الديمقراطية، وعن حقوق المواطنين في التظاهر السلمي، وشعارها الأساسي المطالب بحل جماعة الإخوان المسلمين هو مطلب عادل تماماً، فإذا كان الرئيس المصري نفسه قد سارع الى إعلان استقالته من الجماعة فور أدائه اليمين، فقد كان في ذلك إشارة الى انه سيكون رئيساً للمصريين جميعاً، وانه لن يتلقى تعليماته من رؤسائه في الجماعة _ المرشد ونائبه ومكتب الإرشاد _ وهذا أمر جيد من حيث الشكل، على الأقل، لأن الأمر في الواقع قد لا يكون كذلك، لكن الأهم هو ان تلتزم كل الجماعات السياسية، وفي مقدمتها الجماعة التي فازت بالحكم بالدستور المصري، وبقانون الاحزاب بالذات، الذي "يحرم" تشكيل الأحزاب والجماعات على أساس ديني، طائفي، مذهبي او على اساس الجنس او العرق.

الإبقاء على الحراك الشعبي يبقي على حيوية المجتمع المصري، ويبقي على جذوة الثورة، وعلى اهدافها مشرعة، وكان في الحالة التونسية تجربة ونموذج مهم في هذا السياق، حيث منع استمرار الحراك التونسي السلفيين من الارتداد على مكتسبات الشعب التونسي على صعيد حقوق الإنسان، وعلى صعيد حرية الفرد، بما في ذلك التقدم على طريق المساواة بين المرأة والرجل التي تحققت على مدار السنين السابقة.

هناك قطاعات شعبية واسعة وفئات ناشطة وفاعلة في المجتمع المصري لها مصلحة في عدم انكفاء الثورة وسرقتها او التحول بها الى مجرد حالة من الانقلاب في الحكم، وكما كان مناضلو 25 يناير من الشباب رواد الثورة، فان منظمي هذه المليونية هم رواد الحفاظ على الثورة والاستمرار بها حتى إقامة النظام الديمقراطي بالطرق السلمية، اما عدم مشاركة القوى التقليدية، مثل حملة احمد شفيق وحتى جلوس اليسار والوسط على الحياد ما هو الا تردد، ينتظر ان تنجح هذه المليونية في كسر الحاجز النفسي وفي فتح الباب، حتى يتحقق المراد من بناء مصر عصرية / ديمقراطية تعيد الاعتبار لمكانتها ودورها الإقليمي.

Rajab22@hotmail.com