قتل النساء.. صرعة مجتمعية

رام الله: ظهرت في الآونة الأخيرة صرعة مجتمعية جديدة، هي قتل النساء. فخلال الشهرالحالي، قُتلت ثلاث نساء، واللافت للنظر أن خلفيات القتل تعددت، ولم تكن أي واحدة فيهن على خلفية ما يسمى "بالشرف"، وأفادت الإحصائيات أن ما يزيد عن 12 امرأة قتلت خلال العام الحالي، وهذا الرقم هو الأكبر مقارنة بالسنوات الماضية.

ففي مطلع الشهر الحالي قام أب في مدينة طولكرم بقتل أبنته ذات الـ18 ربيعًا، والتي أنهت الثانوية العامة في هذا العام، ولم تتمكن من النجاح، وأخفت ذلك عن أبيها الذي توعدها طوال فترة الدراسة بالويل إذا لم تنجح هذه السنة، وعندما عرف بأنها أخفت رسوبها قام بقتلها.

وبعدها بأيام معدودة، وفي جريمة أبشع ، قام رجل بنحر زوجته على رؤوس الأشهاد وسط سوق في مدينة بيت لحم. المتابع لهذه القضية يجد السبب فيها هي الخلافات العائلية، والتساؤل هنا: هل بالفعل رجل بعقلية سويّة، يذبح زوجته وله منها ثلاثة أطفال بسبب خلافات عائلية؟، واللافت للنظر أيضًا في هذه القضية أن الرجل تعمد القتل بسابق الإصرار، والدليل انه كان يحمل سكين لقتلها، وهي أداة الجريمة، فهل سيعاقب الرجل؟ سؤال نتركه للقضاء.

ولم يتسنى للمجتمع الفلسطيني أن ينسى هذه الجريمة، حتى تتناقل وسائل الإعلام جريمة أكثر بشاعة في مدينة الخليل، بمغدورة ظُلمت حيّة وميتة، هي رندة المحاريق، والتي ظلمت أولا بتزويجها لرجل يكبرها بـ40 عامًا، وظلمت حين قتلها أبوها وأخوها لتركها زوجها الذي تفنن بتعذيبها وضربها، فهربت من سطوته، لتجد الكفن ينتظرها في بيت أهلها، فقاموا بقتلها ودفنها سرًا.

وبعد سرد هذه الجرائم ، وملاحظة التزايد المخيف فيها، وعدم وجود أي رادع للجناة، يحق السؤال عن الأسباب والدوافع؟ وإذا كان المجتمع بأكمله متفق على اجتثاث هذه الظاهرة، وأنها تمثل حالة متأخرة ومتخلفة، وتضر بالمجتمع، فلماذا التزايد الملحوظ في عمليات القتل بحق النساء؟

في هذه الصدد تقول الدكتورة والباحثة في علم النفس، ليلى العطشان، أن العنف بشكل عام متزايد في المجتمع الفلسطيني، وجرائم قتل النساء تمثل واقع شخص ضعيف ووجد ضحية أضعف منه، فهناك استضعاف، وتضيف أن الاهم هي المساحة القانونية والاجتماعية التي تتيح لهم فعل ذلك، وتتسائل هل لو كان هناك رادع قانوني واجتماعي للجناة، هل ستستمر الجرائم؟

وتطالب العطشان بألا يكون هناك أي تساهل أو مساحة لتبرير هذه الجرائم، وتقول أيضًا ان معظم الجرائم لم تكن تحت سورة الغضب، بل كانت عن سبق الاصرار والترصد، والرجال لا يفكرون مرتين قبل أن يقوموا بأي رد فعل عنيف.

وتوضح أن المرأة في المجتمع أصبحت مباحة، والرجال يتعاطون معها بطريقة سلطوية بصفتها شيء يمتلكونه، وليست روحًا من حقها أن تعيش.

وفي ذات السياق، اعتاد المجتمع الفلسطيني على صيغة مبررة جاهزة لتبرير أي جريمة بحق النساء وهي الشرف، بادعاء أن المغدورة قد أخلّت بشرف العائلة، وبعد البحث والتمحيص يتبيّن أن 90% من حالات القتل لم تكن على خلفية الشرف وكانت سببها خلافات اجتماعية ومادية، وألصق الشرف بالعملية لتخفيف العقوبة القانونية للجاني، باعتبار القانون الفلسطيني فضفاض بخصوص القضايا المتعلقة بقتل النساء وتطبيقه في فلسطين، فنجد أنه ينصف الرجال دون النساء في أغلب حالات القتل.

ومن الناحية القانونية، يقول المحامي غاندي الربعي أن قتل النساء المتعمد يستوجب عقوبة رادعة، مع العلم أن العقوبة مع بروز هذه الظاهرة بشكل مخيف في المجتمع الفلسطيني لم تعد تكفي، ولم تعد رادعة، وحتى قانون العقوبات لم يعد يكفي للحد من هذه الظاهرة.

وبالرجوع الى مواد القانون تبيّن فعليًا أنه مجحف بحق النساء، فنرى حتى اللحظة أنه لا يزال يطبق القانون القضائي في الأرض الفلسطينية وفقًا لقانونين مختلفين، ففي الضفة الغربية يطبق قانون العقوبات الأردني رقم 16 لعام 1960، وفي قطاع غزة يطبق القانون البريطاني رقم 74 لعام 1936، ويشار إلى أن مواد هذان القانونان منحت الجناة عقوبات مخففة، وأعذار تشجع على ارتكابهم جريمة القتل بحق النساء.

ومن الناحية الشرعية، يقول الشيخ يوسف ادعيس نائب رئيس المحكمة الشرعية، بأن عقوبة القتل العمد في الإسلام قصاصها واضح وهو القتل، والإسلام لم يفرق بين قصاص الرجل وقصاص المرأة.

ويشير ادعيس إلى أنه في المجتمع الفلسطيني النص الشرعي غائب، والعادات والتقاليد هي التي تحكم، وهذا ما جعل الجناة يتمادون في هذا الفعل، فالعقوبات بالإسلام جازرة جابرة، ولو طبقت فعليًا لارتدع الرجال عن ممارسة هذا الفعل.

واستخلاصًا لما ورد، نرى أن السبب في تزايد حالات قتل النساء هي: المجتمع الظالم بمكوناته السلطوية التي تهمش المرأة، والقانون الفضفاض غير الرادع، وغياب الحكم الشرعي.

زمن برس

_______

س ن