خطاب نصر الله: أسئلة أهم.. غابت

كما في كل "يوم للقدس" تعالى ولعلع الخطاب الإيراني فلسطينياً، وأصبح بيت المقدس، مرة أخرى، محور القضايا، بل إن إيران أصبحت في هذه السنة ـ حسب نصر الله ـ ترى المنطقة والتطورات فيها بـ "عيون فلسطينية"! في كلمته السنوية لهذه المناسبة، يكرر الشيخ نصر الله عباراته المعتادة، التي تغطي بحماسة معادلة من طرفين، لا حيثيات بينهما ولا وقائع ولا عناصر أخرى معهما: المقاومة وإسرائيل. وفي إطار هذه المعادلة، أضاف أمس، تلميحاً مقصوداً، على خط مخاوف الغرب وإسرائيل، من الأسلحة الكيميائية، طلباً لذعر الطرف الآخر، وهذا هو المعنى الوحيد لقوله، إن حياة مئات الألوف من الإسرائيليين، سوف تتحول الى جحيم، بمفاعيل "عدد قليل" من صواريخ "حزب الله"!

ليس هذا موضوعنا، ولا يستحق أن يكون موضوعاً، لأن التلويح بالقوة الماحقة للصواريخ، لم يأت في سياق الحديث عن الردود المزلزلة، في حال هدم الأقصى لا سمح الله، أو تهويد المدينة تماماً، أو الاستمرار في احتلالها والتضييق على أهلها، وإنما جاء في سياق التحسب لفرضيّة الهجوم الإسرائيلي على إيران. موضوعنا هو طريقة تبرير الانحياز الظالم لنظام السفاحين الذين يقتلون شعبهم في سوريا.

هو يطرح فرضية أن ما يجري في سوريا، إنما هو بغرض الاستحواذ عليها تعويضاً يخصمها من معسكر "الممانعة" ومحورها، مقابل "سقوط مصر" في أيدي "قوى ثورية". وبصرف النظر عن كون مصر الثورة، لن تنحاز لنظام الأسد الفاشي؛ فإن حسن نصر الله، الذي ارتجل خطابه بالعبارات المألوفة، عاد الى وريقات معه، لكي يقرأ سؤالاً أظنه محرجاً: ألا يعني هذا الاستهداف الإسرائيلي لإيران، والعداء الغربي ـ الإسرائيلي المحموم لها، شيئاً للعرب؟! السؤال ليس محرجاً. إن هذا العداء اللفظي يعني الكثير، ولكن ليس من بين ما يعنيه، أن إيران تتحفز لتحرير القدس. ربما يعني أن إسرائيل هي التي تطمح الى موقع الدولة الإقليمية الأقوى والأهم والأكثر تأثيراً في المنطقة، كقوة نووية.

وربما يعني أن رفع وتيرة التخوفات من إيران، في منطقتها، وبخاصة في الخليج؛ هي المدخل وذريعة الربح الوفير لاحتكارات صناعة السلاح وإمدادات الطاقة والنفوذ المديد في المنطقة. لكن السؤال المحرج قطعاً للشيخ حسن نصر الله: ألا يعني لكم شيئاً، كل هذا الطوفان الشعبي الثائر الرافض لبقاء نظام الفساد والاستبداد في سوريا؟! ألا تعني لكم شيئاً، الجموع الشعبية، في مئات ميادين التظاهر، التي تطالب بسقوط النظام؟ ألا تعني لكم شيئاً، عمليات القصف الإجرامي من الجو، لمساكن السوريين وملاجئهم، وسفك دماء الناس بالجملة؟ ألا يوجد موقع في المعادلة المختزلة، يخصصه "السيد التقي" لأرواح الأبرياء التي تُزهق، ولعمليات القتل البشعة الموّثقة، التي طالت السوريين وما تزال تطالهم، وأنتم تتحدثون بعاطفة جيّاشة، عن مشاعر عوائل أحد عشر مخطوفاً لبنانياً من طائفتكم، لدى مجموعة مسلحة؟! أليس هناك عائلات وأطفالاً، لكل الضحايا السوريين، بل أليس من بينهم ألوف الأطفال؟ ألا يعني لكم شيئاً يا "سماحة السيّد" انشقاق رئيس وزراء النظام ثم وصفه للنظام بأنه مجرم؟

ألا تعني لكم شيئاً انشقاقات قادة أمنيين وعسكريين وسياسيين؟! في كل صيغ خطابات نصر الله، ليس هناك شرفاء أو أهل للمقاومة، إلا هو ومن معه، وإيران، وذرية حافظ الأسد. هو يقرر سلفاً، أن بدلاء النظام خونة أو مفرطون، أو بلا ملامح، لأن سوريا ستقع إن انتصروا، في قبضة المحور الإسرائيلي. إن مثل هذا الافتراض غير أخلاقي أصلاً. الشيخ نصر الله، الذي يستعرض بعض قراءاته للتقارير الواردة من معسكر الأعداء؛ يتجاهل تقارير وكتابات مفكرين من عُتاة الصهاينة ومن كارهي العرب بامتياز، في الولايات المتحدة وفي أوروبا. ففي الأوساط الفكرية، يختلف الأمر عن الأوساط الإعلامية التي تبيع الثورة السورية كلاماً فارغاً ظاهره التأييد. لا نظن أن حسن نصر الله، لم يقرأ لدانييل بايبس Daniel Pipes مثلاً، وهو الكاتب الأمريكي الشهير، الأشد حقداً على العرب وعلى المسلمين وعشقاً للمتطرفين الصهاينة، عندما يعبر المرة تلو الأخرى، عن تخوفاته من سقوط نظام بشار الأسد، على قاعدة "الشيطان الذي تعرفه" أفضل بكثير، من "الشيطان الذي لا تعرفه" ويشرح "مناقب" نظام الأسد "الممانع" لفظاً وحامي الاستقرار الإسرائيلي فعلاً.

فكيف يصبح الثائرون مضمونين لمحور إسرائيل وأميركا، بينما دراسات المتخصصين الأميركيين في شؤون الشرق الأوسط، تقول غير ذلك؟! عموماً، كانت النقاط المتعلقة بسوريا، في خطاب نصر الله، مجتزأة ومتغاضية عن حيثيات الواقع، متجاهلة للإجرام وللقتل الجماعي، ومتناسية مجزرة "ثكنة فتح الله" التي اقترفها الجيش الأسدي بحق عناصر "حزب الله" في شباط (فبراير) 1987 وكان الذي سماها مجزرة، هو نعيم قاسم، نائب الأمين العام للحزب. إن كان موت 27 عنصراً بأيدي قوات الأسد، في العام 87 سميتموه مجزرة، فماذا تسمون موت مئتي إنسان في كل يوم، بأيدي القتلة أنفسهم؟ هذه هي بعض الأسئلة الأهم، والأجوبة الأكثر إلحاحاً، التي غابت عن خطاب نصر الله في "يوم القدس" مثلما يُوصف!

www.adlisadek.net

adlishaban@hotmail.com