عن "التقعيد" الخائب
الحضور الطارئ لتنظيم مسلح، على نهج "القاعدة" في سيناء، هو الذي عجّل برفع الرئاسة المصرية، الى سويّة الاستحواذ التام على السلطة، لكي يبدأ احتساب تجربة الحكم "الإخواني" منذ يوم الثاني عشر من آب (أغسطس) 2012.
فليس أي طرف، منذ الآن، يشاطر "الجماعة" المسؤولية الأولى في حكم البلاد، ولا يكبح مسعاها. لقد فتح السلفيون "الجهاديون" الأكثر جهلاً وعدوانية وتجرداً من الإحساس بمشتركات مع المجتمع والدولة؛ الطريق بين الرئاسة والإقليم، بما فيه إسرائيل، بحكم الضرورة الأمنية، من خلال الفعل الشائن الذي اقترفوه في سيناء. ذلك تماماً مثلما فتح سلفيون "جهاديون" آخرون، الطرق بين أمريكا وأنظمة مغلقة على وطنياتها، في دول عدة، كلما تبدى أن مثل هذه الجماعات، تمثل خطراً مشتركاً بين المتناقضين! النظام السوري، منذ بداية الثورة عليه، سعى وما زال يسعى، الى "تقعيد" الانفجار الشعبي، بمعنى إحالته لـ "إرهابيين" على نهج "القاعدة" لاستدرار عطف الغرب، والارتفاع الى مستوى الحكومات "الطبيعية" التي تحارب "الإرهاب". وفي الحقيقة، لم يكن النظام السوري مؤهلاً للعب دور كهذا، على الأقل لأنه يفتقر الى أية علامة تميزّه أو تعطيه أفضلية، على أولئك الذين يقتلون الأبرياء بدون تمييز، ويأخذون الناس بالجملة، بطشاً وسحقاً لكراماتهم ومصائرهم. لذا باتت محاولات "تقعيد" الثورة أمراً مثيراً للسخرية. وكادت الآراء تتوافق على أن أجهزة أمن النظام السوري، هي التي فجرت العبوات الناسفة في المناطق المكتظة، حتى عندما اختارت أن تكون أماكن التفجير، على مقربة من مقرات أمنية أخليت سلفاً.
ولما لم يجد النظام آذاناً صاغية، لمعزوفته اليومية عن حرب يخوضها ضد "إرهابيين" متجاهلاً جُمَعْ التظاهر الشعبي الكثيف في مئات الميادين، طلباً لإسقاط النظام والحرية؛ تحول الحاكمون في سوريا الى لبنان، لكي يطيّروا للغرب، الذي يهمه هذا البلد؛ رسائل الذعر من "قاعدة" مزعومة، فكلفوا عميلهم الرخيص ميشيل سماحة، لكي يستأنف عمله بمهام تفجيرية جديدة! لكن ضبط ميشيل سماحة متلبساً، قدم الدليل على أن هناك قاعدتين، واحدة حقيقية وأخرى مفتعلة.
وقد أخذهم سوء التقدير، الى أن الوزير السابق ولسنوات مديدة، لن يثير الشبهات، وأن المسألة ستمر بسهولة، مثلما مرت أعمال تفجيرية سابقة. وتلك مهمة قذرة، لم ير "حزب الله" أنها تليق به أو تسهل عليه. وكانت محاولة "التقعيد" السابق، للحالة اللبنانية، قد مرت دونما شكوك ترقى الى مصاف الاتهام الصريح، عندما احترق وتهدم مخيم "نهر البارد" الفلسطيني وشُرّدَ ساكنوه، بعد فظاعات اقترفها تنظيم "قاعدي" مفتعل، يتزعمه واحد من رجال التمرد المسلح بتدبير المخابرات السورية، على حركة "فتح" في العام 1983. تقمص زعيم التنظيم، ثوب الإسلام السلفي الجهادي، ليناصب الدولة والمجتمع اللبنانيين، عداءً مسلحاً، ولكي يعزز مقولة أن البلد لم يستطع حماية نفسه، بعد أن "خسر" حماية الجيش الأسدي له!
* * *
انكشفت لعبة "التقعيد" السخيفة التي حاول النظام السوري بها، أن يغطي شمس الثورة بغربال المزاعم عن وجود "إرهابيين". وهذا ملف سيلد ملفات أخرى، إذ سيصبح التقصي بأثر رجعي، واجباً أمنياً وسياسياً، على الدولة اللبنانية. وستكون قصة ميشيل سماحة، مدخلاً لصياغة الحكاية الكاملة للدور الأسدي في لبنان، وسيطمئن الماكثون في قبورهم، من الضحايا الكُثر، لبنانيين وفلسطينيين، بالانكشاف التام، لهوية القاتل. فـ "القاعدة" التي يتقمصها مشيل سماحة وأشكاله، انزلقت الى مزبلة التاريخ، وبدا انزلاقها مبشراً بانزلاق نظام الى الموضع نفسه. ولا تزال "قاعدة" سيناء، في طور الضبط، لكي ينكشف مرجعها الأول ومدبّرها الأول الذي استغل جهل الجاهلين. خسارتنا من هذه الأخيرة، أنها خلطت الأوراق لبعض الوقت الصعب والملتبس، وأنها قدمت قبل الأوان، لقاحاً لخطاب سياسي، أراد أصحابه ان يظل طهرانياً، لأطول مدة ممكنة، فإذا به يؤسس مأثرته الأولى، على خطاب المطاردة الساخنة، لـ "جهاديين" ضالين مجرمين، ويذهب بهذا الخطاب، الى طور من "التمكين" لن يتيحه له خطاب آخر!