هدم الأنفاق وتطور جديد

بدا أن القوات المسلحة المصرية، عازمة على هدم الأنفاق بين غزة وسيناء، والإجهاز تماماً على هذه الظاهرة، بتعبيراتها الاقتصادية الريعية الطفيلية، والأمنية والسياسية. ومن يقرأ هذا التطور، بما يصاحبه من تدفق عسكري مصري مكثف، يتجاوز البرتوكول العسكري المكمل لاتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل؛ لن تغيب عن ناظره، حقيقة أن التدابير الجديدة، ومستلزماتها من الجنود والمعدات تتم بموجب تفاهم مصري إسرائيلي، يلبي متطلبات الطرفين: الإسرائيليون يريدون ضمانات أمنية، وكانوا ضالعين في العملية الكريهة ضد العسكريين المصريين، لبلوغ هذا الهدف، والمصريون يريدون ضبط الأمن في سيناء، ومن ثم تنميتها، وفي الوقت نفسه، يريدون العودة الى وضعية انفتاح غزة ووضع حد لحصارها، وهذا لا يتحقق بدون العودة الى اتفاق 2005 بخصوص معبر رفح لحركة المسافرين، ومعبر "كرم أبو سالم" بخصوص البضائع. وربما يجري تعديل طفيف على اتفاق المعابر، بحيث تتعاطى أطراف الاتفاق مؤقتاً، بضمانات مصرية، مع حكومة "حماس" في غزة، كطرف يتواجد الآن، على الجانب الفلسطيني على المعبر. والجانب المصري، من موقع المسؤولية الاستراتيجية الموصولة بالسياسة المصرية العامة؛ سيختار العودة الى الاتفاق المؤقت للمعبر، إن كان البديل هو فتح غزة على مصر تماماً، وإغلاقها من جهة المعابر الأخرى التي تربط بينها وبين الضفة، ضمن محددات العملية السلمية المعطلة!

في وسع المرء أن يتوقع، بأن سيناريو عملية تطهير سيناء من الجماعات الخارجة على النظام، والمسكونة باختراقات من كل حدب وصوب؛ يتضمن أجلاً محدداً للتواجد العسكري المصري المكثف، والاستعاضة عنه، بعد إنجاز المهمة، بتواجد أمني مصري مكثف، يضبط الأوضاع في شبه جزيرة سيناء، ويحول دون محاولات إعادة فتح الأنفاق وتدفقات البضائع عبرها.

كل هذا الذي يحدث، والذي لا نعتقد بأن "حماس" كانت ترغب فيه أو تتمناه؛ يجري بمفاعيل الواقع، ويكبح شطات التخيل السقيم عن امبراطورية إسلامية مفتوحة أقطارها بعضها على بعض. وقد نبهنا الى هذه الحقيقة مبكراً، وقلنا إن مصر لا تحتمل، وأن للإقليم وللأوضاع فيه سياقاً معلوماً، لا يتاح تغييره في برهة زمنية وجيزة، أو في الآجال القريبة. فنقطة غزة، هي موضع الاختبار الحاسم للقدرات والإرادات، ثم إن واقع الحال، في مصر وفلسطين والعالم العربي، لا يعين على الزلازل ولا يتواءم مع الخطاب العريض.

إننا نمر بحال التبدد السياسي، وليس لدى "حماس" ولا "فتح" مقومات الاختراق الجهادي أو السياسي. لذا فإن الالتواء والتلاعب في موضوع المصالحة، سيرتد خسارة على أصحابه. وعلى الفلسطينيين جميعاً، أن يتوافقوا على استراتيجية انقاذ سياسي وطني، لن يتأتى إلا بالتشارك، والعودة الى المسار الديموقراطي، الذي يمكن الشعب الفلسطيني من التعبير عن إرادته الحرة!