رفح: مفترق الطرق والاتجاهات

ظهر غضب الشعب المصري، على ضحايا الجيش المصري الذين سقطوا على يد مجموعات الموت المنتشرة في سيناء، قبل أيام، كما لم يظهر من قبل، وبسبب من عدم تحديد " هوية العدو " فقد تخبط بعض المصريين في رد فعلهم، لدرجة ان بعضهم صب جام غضبه على "الفلسطينيين" بدعوى أن بعض عناصر تلك المجموعة، هم من الفلسطينيين، وقد ظهر ذلك جليا وواضحا، عبر وسائل الإعلام، التي تعاملت مع تفاصيل الفاجعة، على مدى الأيام القليلة الماضية.

ويبدو ان الوضع الداخلي في مصر قد وظف تلك الحادثة، حيث ادار كل فريق وكل مجموعة او اتجاه سياسي مصري، ما حدث وفقا لمصلحته ورؤياه، بغض النظر عن الحقيقة وعن قدسية الدم المصري ودماء الجنود الأبرياء الذين سقطوا دفاعا عن شرف وكرامة مصر، وتكفي هنا الإشارة الى عدم تمكن الرئيس محمد مرسي من المشاركة في تشييع جثامين الشهداء، حتى ندرك الى أي مدى تم توظيف الأمر، بالإشارة الى كيفية تناول هذا الأمر في الإعلام المصري متعدد الاتجاهات والمواقف.

فيما بعد احتاج الرئيس المصري الى تعويض غيابه عن مسرح التشييع، باصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد، من خلال مجموعة قرارات الإقالة التي اتخذها ضد بعض القيادات المؤثرة في النظام المصري، فهو أقال اللواء مراد موافي مدير عام المخابرات، وأحد مساعدي الرئيس السابق للجهاز، نائب الرئيس الراحل عمر سليمان، كذلك أقال رئيس الحرس الجمهوري، بما يشير الى أنه انتهز الفرصة، ليبدأ عملية السيطرة على مفاصل النظام، وتحويله الى نظام موال وتابع له ولجماعته السياسية، الأمر الذي اعتبره البعض، خطوة على طريق تطهير النظام من رموزه، فيما اعتبره البعض الآخر، انقلاباً على الشريك في الحكم، أي المجلس العسكري وحلفائه في أجهزة الدولة.

من الواضح ان الرئيس الإخواني المصري، أراد الإيحاء بأن المسؤول عن " التقصير " في الجانب الأمني، والذي كان سببا في سقوط الضحايا من الجنود، كان جهاز المخابرات، وان الأمر لا يعود الى قيامه قبل ذلك بنحو أسبوع فقط، بفتح معبر رفح "على الغارب" كما أشار خصومه السياسيون، بعد لقائه اسماعيل هنية، رئيس حكومة "حماس" المنشقة عن السلطة والقيادة الفلسطينية، وهو بذلك يضرب عصفورين بحجر واحد، يبعد شبهة التقصير عنه من جهة ومن جهة ثانية، يحقق تقدما على صعيد الإمساك بالسلطة. وما كان لمرسي ان يقدم على هذه الخطوة، التي لم تتضح بعدُ أبعادها، وان كان سيتلوها رد فعل من الآخرين ام لا، الا بعد ان وافق العسكر على توجيه ضربة موجعة للأنفاق، رغم كل ما فعلته غزة / حماس من محاولة لاحتواء الغضب المصري، بالدعاء والصلاة، وحتى بمشاركة الجانب المصري إغلاق الأنفاق من جهتها لمنع تسلل او عودة بعض المشاركين في ارتكاب الجريمة.

يبقى هنا بيت القصيد، الذي يهمنا، وهو مستقبل علاقة غزة بمصر، فإذا ما واصلت مصر، تحت ضغط الغضب الشعبي، وبمكوني القوة فيها _ الرئاسة والعسكر _ تدمير الأنفاق في رفح، فان ذلك يعني بأن مستقبل غزة أصبح في مدى الحسم السياسي القريب، فإما أن يعود ربطها، اقتصاديا وخارجيا بإسرائيل، وهذا امر يكاد يكون غير ممكن، لأن إسرائيل لا تريده بالأساس، لا تريد ان تعود الى غزة من نافذة الاقتصاد، حتى لو كان حجم التبادل التجاري معها يصل الى نحو ملياري دولار سنويا، ولا تريد العودة الى معبر رفح، لتضبط الجانب الأمني منه، بمراقبة الخارجين والداخلين منه واليه، لأن من شأن ذلك ان يحبط مسعاها الى فصل غزة عن الضفة الغربية وتحويلها الى الدولة الفلسطينية التي يطالبها العالم بها، ثم هي تستطيع ان تراقب الجانب الأمني في سيناء، اي من الجانب المصري لرفح مباشرة، كما فعلت في إطار معالجتها لمحاولة الجماعة الإرهابية الدخول الى الجانب الإسرائيلي وقتل الجنود الإسرائيليين وربما أسر بعضهم.

واما ان تفتح مصر المعبر بشكل كامل، اي على مدى 24 ساعة، للمسافرين وللبضائع، بما يعني تدشين عملية انفصاله عن الضفة الغربية، وخروجه من المشروع الوطني الفلسطيني المكافح من اجل الحرية والاستقلال، أو ان تستمر بفتحه على الطريقة القائمة، حيث المعبر مفتوح للمسافرين فقط، فيما تدمير الأنفاق يعني وقف تسرب البضائع المصرية لغزة، وانتظار ان يجبر الضغط، الذي يعني الحصار الإسرائيليين على إدخال بضائعهم لغزة، وهو أمر غير ممكن كما اشرنا.

بذلك فإن العملية في رفح قد وضعت العقدة في المنشار، ووضعت على طاولة الرئيس المصري ملفا صعبا وشائكا، مطالبة أياه بحله وايجاد مخرج سريع له، الأخبار والتقديرات تشير الى ان مصر، ستعود بعد ايام الى فتح المعبر كما كان، بعد ان تهدأ عاصفة الغضب الشعبي، لكن السؤال يبقى معلقا بالأنفاق التي دمرت، حيث يبدو ان هناك حلا سحريا يمكن لمصر ان تقدم عليه، وهو تعجيل المصالحة الفلسطينية، وهنا ستقف حماس / غزة في وجه الخطوة، أو ان تحتمل حماس / غزة، وقتا حتى يمكن ان تمتلئ غزة بالبضائع المصرية مجددا، أي الى ان يتمكن المختصون من حفر أنفاق جديدة، ويمكن خلال هذه الفترة ان يتم تعويض النقص في البضائع من خلال حملة مساعدات عينية، حيث يتم إدخال شاحنات البضائع عبر معبر ابو سالم، وفي هذا الأمر فإن "الأخوان" بارعون وعندهم خبرة وتجربة، المهم أن ما حدث في رفح كشف حجم التضاد في المصالح بين القوى، بما في ذلك داخل رفح المصرية وكثير من مدن شمال سيناء، حيث مقابل ثراء الكثير من تجار الأنفاق، الذين تلقوا ضربة بإغلاقها، ظهر المتضررون من المواطنين المصريين الذين عانوا من نقص السلع في مدنهم واسواقهم نتيجة تسربها الى قطاع غزة. في هذا الحقل من التعدد السياسي ومن اتجاهات الضغط المتضادة، يصوغ مرسي وطاقمه الرئاسي سياسة داخلية وخارجية محفوفة بالمخاطر، حيث لا أحد يمكنه ان يعرف ان كان قادرا على الإمساك بالعصا السحرية ام لا، لكن غدا لناظره قريب، ففي انتخابات قريبة لمجلس الشعب، سيذهب المصريون الى محطة اخرى من محطات الصراع السياسي، التي ستحدد الى درجة كبيرة مستقبل النظام السياسي المصري الجديد، قيد التشكل، بما في ذلك مستقبل الرئيس المصري نفسه، الذي قد يكون مجرد رئيس انتقالي لا أكثر ولا أقل.