تداعيات جريمة سيناء: اختلاط أوراق وأصوات

ردود الأفعال الفلسطينية على الجريمة المروّعة في سيناء، اتسمت بالمسؤولية، وبالإدراك لحجم المخاطر والتعقيدات، الناجمة عن مثل هذه الأفاعيل الخرقاء، التي لا نجني من ورائها سوى الخسارة على كل صعيد. وفي موازاة ردود الأفعال هذه، لن يفيدنا توظيف هذا الحدث المعقّد والمؤلم، على خط السجال بين «فتح» و»حماس» لأن هناك في مصر، من ساءهم التطور الإيجابي في الخطاب الرسمي المصري حيال القضية الفلسطينية.

وهؤلاء لم يتأخروا في الخروج من جحورهم لرمي الكينونة الفلسطينية شعباً وقضية وقوى سياسية؛ على النحو الذي يذكرنا بأيام عربدة رؤساء تحرير الصحف، كموسى صبري ومن بعده ابراهيم سعدة والكتّاب الذين ساروا على نهجهم! رد الفعل الحمساوي يمثل درساً لأصحابه، ينبغي أن يُقاس عليه عندما يكون الضحايا الشهداء فلسطينيين، يسقطون من جراء أعمال غير محسوبة وغير مسؤولة. أما الذين ارتكبوا الفعل الشائن في منطقة رفح، وزجوا بشباب مُغرر بهم، لكي ينفذوا تحت عنوان «الجهاد والموت في سبيل الله» فقرات من أجندة إسرائيل، فهؤلاء يجب أن يعلموا أن هكذا أعمال لن تمر مرور الكرام، وأن الكل الوطني الفلسطيني سيحاصرهم ويحبط أعمالهم، وأن التلطي بشعارات جهادية، لن يعفيهم من الملاحقة مثلما لن يعفيهم من الشكوك الأمنية في مقاصدهم.

وهنا يضاف الى أسباب التوجه الى المصالحة كضرورة وجودية، سبب آخر، ليصبح واضحاً لكل جاهل أو حاقد أو مأزوم وموتور، أن إعاقة التوجه الى الوفاق الوطني، بات عملاً من أعمال الاستيلاء على المدرعات فيما جنودها الصائمون يتناولون إفطارهم. على الرغم من غضبنا من المسلك الحمساوي على أصعدة عدة؛ لا يصح أن يدفعنا الخلاف الى تطيير اتهامات لحركة «حماس» بالتواطؤ أو بالتغاضي عن عمل آثم، طال أرواح ضباط وجنود مصريين، لأن هكذا منطق، يخدم محاججات طرفين آخرين، لا يكنان الود للشعب الفلسطيني ويتعمدان أخذنا بالجملة. ففلسطين ومصر، بكلية كل منهما، الطبيعيتين، تجمعهما مصالح عليا. لكن طرفاً ثالثاً، هو الاحتلال، لا يكف عن محاولاته دق الأسافين وافتعال البغضاء بين مصر وفلسطين.

أما الطرف الرابع، فهو الشريحة الصغيرة، التي يمثلها أولئك الذين انتعشوا في مرحلة الهجوم الإعلامي على الشعب الفلسطيني وعلى كفاحه الوطني وعلى قضيته. فقد توارى هؤلاء عن الأنظار بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) والتزموا جحورهم، لكن عملاً إرهابياً يزهق أرواح مصريين، وليس له مرجعية سوى «شلومو» من شأنه أن يتيح لهذه الشريحة أن تظهر من جديد! عملية سيناء الدامية الآثمة، التي أودت بحياة ضباط وجنود من المؤسسة العسكرية التي أعادت سيناء الى الخارطة المصرية، واحترق فيها عدد من المغرر بهم؛ خلطت الأوراق والأصوات، وتسببت في إحالة الشعب الفلسطيني دونما ذنب، الى مربع الدفاع عن مقاصده وعواطفه ومواقفه، وكان ذلك من أسوأ تداعيات العمل الشائن!