قراءة قديمة جديدة: الإطلاق من غزة

مرت سنوات طويلة، على بدء تكرار القول في هذه الزاوية، إن قطاع غزة لا يصلح منصة لإطلاقات صواريخ، أو لانطلاق عمليات عسكرية. فالحسبة واضحة، ولم نكن في حاجة الى دماء شهدائنا، لكي يصل الذين يخالفوننا الرأي، الى قناعة بصواب ما نقول. فمن خلال قراءات عدة، لمذكرات العسكريين المصريين؛ علمنا أن كل الخطط العملياتية التي اعدها الجيش المصري قبل عام 1967 أسقطت قطاع غزة من اعتباراتها الميدانية، بسبب ضيق هامش المناورة، واكتظاظ المكان، وعدم صلاحيته لأية فعاليات عسكرية ذات محاور.

غير أن هؤلاء، الذين يدمجون بين الخطابة الرنانة والعلم العسكري؛ أصروا على أنها "عنزة ولو طارت". وأذكر في العام 2002 أن واحداً من جنرالات الزلازل، يعمل معلماً في مدرسة ابتدائية، أوقف ابنتي أمام زميلاتها ليقول لها فيما يشبه "التجريس": أنت ابنة هذا الذي يعارض رمي الصواريخ على العدو؟! المعلم القاعد عن أي شكل من أشكال الكفاح، يزاود على مقاتل قديم وجريح وأسير سابق، ويقول لطفلة؛ ما معناه ان أباها يتخلف عن الزحف الجهادي. ويقيني إن ذلك المبعّر من فمه، يتوجس الآن خيفة كلما أطلق غير حمساويين، قذائف صاروخية لا تقتل إلا في جانبنا، من خلال نيران جوابية للاحتلال. ومرت سنوات، حتى بات الحمساويون يصفون الصواريخ المنطلقة من أراضي قطاع غزة، بأشنع الأوصاف! المفارقة، أن رؤيتنا لطبيعة الصراع وفرص مواجهة المحتلين بالنيران، تراهن على صيرورات استراتيجية، تحشد الأمة والمنطقة في مواجهة إسرائيل.

ذلك علماً بأن الإسلامويين هم أكثر الأطراف مضغاً لمصطلح الأمة التي نراهن عليها ولو بعد حين. لكن هذا التحشيد المرتجى، لا تبشر به نجاحات انتخابية للقوى "الإخوانية" وإنما توفره عوامل موضوعية عديدة، لم ينضج منها عامل واحد حتى الآن. فقد استعجل "الإخوان" الفلسطينيون رزقهم مع صعود "الجماعة" في مصر، وانزلقت عدة تصريحات عن "ولايات إسلامية متحدة" مبشرة بعنفوان بات يتوافر للأمة. فهؤلاء لا يقرأون الواقع، وإن جاءتهم اللدغة من الواقع نفسه، تراهم لا يفهمون.

فقد وضعنا، في هذه الزاوية أيضاً، خطوطاً عامة لمقاربات وتوقعات، في حال تسلم "إخواني" للحكم في مصر. وقلنا إن ظروف مصر لا تسمح حتى بالتساهل في موضوع تصدير الغاز وأنبوب الغاز، فما بالنا في موضوع الزلازل. ويقيني لو أن الجريمة التي حدثت في منطقة رفح، وأودت بحياة ضباط وجنود أبرياء؛ كانت وقعت في عهد حسني مبارك، لما سمعنا هذا التعاطف الحمساوي مع الاستراتيجية الأمنية المصرية، ولما سمعنا أيضاً غضباً مصرياً بالحدة والحزم، اللذين أظهرهما د. محمد مرسي رئيس الجمهورية.

ولو كنا نحن الفتحاويين الذين انفردنا بإدانة الجريمة، لو انها وقعت في العهد السابق، لقيل إننا "جماعة دايتون" المناوئة لجهاد المجاهدين، على الرغم من أن المسائل والخيارات الاستراتيجية لم تتغير! على الرغم من الألم الناشىء عن جريمة قتل عسكريين مصريين، أثناء تناولهم لإفطار الصائمين؛ فإن الأمر يكشف حجم الرياء ومدى التلون. وهي مناسبة للتأكيد مرة أخرى، على أننا جربنا فعل الزلزلة المنطلقة من قطاع غزة، ولم نحصد منه إلا المرارة والخسارة الفادحة. فالمسألة ليست قابلة للتبسيط، لكي تكون جواباً عن استفهام مختصر: هل أنت مع ـ أم ضد ـ فتح النيران على جنود الاحتلال؟ من حيث المبدأ لا يزاود علينا أحد.

ومن حيث التفصيل نتساءل: أية نيران، وما هو تأثيرها، وكيف، وما هي الحسبة وبراهينها؟ لا نريد النيران التي "تفك" زنقة الإيرانيين، لأن هؤلاء لا يدفعون ثمنها. ولا نريد النيران التي تخلط الأوراق، لأن المحتلين يريدونها. ولا نريد النيران التي تجعل غزة منصة إطلاق فتصبح "ملطشة" لآلة العدو العسكرية ويُسفك شعبنا، ولا يفيدنا خطاب الزلازل الذي كلما وقعت لنا مصيبة، يتحول الى مناشدات للأمتين العربية والإسلامية بالنصرة والغوث.

فلا مناص من التوافق على وحدة الكيانية الفلسطينية، وعلى استراتيجية عمل وطني واحدة، تقوم على حسابات تتسم بالمسؤولية عن شعب ومجتمع وقضية ومقدرات. فلم يعد ثمة مجال للرغي الفارغ ولا للأفعال الحمقاء، ولا أحد مؤهلاً للمزاودة على الحركة الوطنية الفلسطينية التي خبرت كل الدروب واختارت أن يبقى المشروع الوطني قائماً!

www.adlisadek.net

adlishaban@hotmail.com