أفاعيل مضادة للجهاد
سيتركز معظم التنديد بالجريمة التي اقترفتها عناصر مسلحة ضد جنود مصريين، في قرية "الماسورة" عند مدخل رفح؛ على التذكير بأن الضحايا الذين لا ذنب لهم، ليسوا عدواً، وعلى أن الإسلام لا يُجيز هكذا اقترافات، وعلى أن هناك شططاً، على قاعدة أن ليس هكذا تُورد الإبل "الجهادية"! لن تخطر المخابرات الإسرائيلية على بال أحد، على الرغم من كون الجريمة، وقعت في منطقة اختراق إسرائيلي للبنية الاجتماعية وللتشكيلات المنبثقة عنها. فالشهيد الذي سقط في رفح، من "لجان المقاومة الشعبية" لم تقتله الطائرة وحدها التي قصفت.
فالمنطقة تعد مساحة للتكثيف الاستخباري الإسرائيلي، الذي ينشر جواسيسه الحثالات لإعطائه المعلومة والعلامة والتوقيت والإحداثية. فقد خرج الشهيد، بدراجته النارية حسب ما قيل، وكان هناك من يتابعه. في "الماسورة" تحركت مجموعة من "جهاديين" بالتسمية، استهدفت جنوداً مسلمين صائمين، ربما يؤدون الخدمة العسكرية ولم يختاروا موقع خدمتهم. وتحت عنوان "الجهاد" يُهاجم هؤلاء، فيما العقل المدبر، موصول بالشياطين.
وساذج من يظن، أن المحتلين الصهاينة، لا يدخلون على خط هذه التشكيلات، إن لم يكونوا صنعوا بعضها. والفائدة للمحتلين، ذات أوجه عدة، منها ما يتعلق بجمع المعلومات ومقايضتها، ومنها الإيعاز بأعمال لخلط الأوراق، ومنها ما يتعلق بمحاولة المشاركة في رسم مستقبل سيناء، ومنها ما يسعى الى تنفير خلق الله، من مصطلح "الجهاد" بالمعنى العام وبتفصيلاته. إن العمل الإجرامي، الذي اقترفته مجموعة مشبوهة، ليس إلا من فعل جواسيس. وعلى هذا الأساس ينبغي التعاطي مع ظاهرة من هذا الطراز. ولدينا تجربة ومشاهدات كثيرة، عن ذوي ذقون، استخدمهم المحتلون للأعمال القذرة، ولإجهاض الكفاح الوطني النبيل. ولعل أبسط وأقل الأمثلة، هو ما تمثله غرف العملاء "العصافير" في السجون.
فهؤلاء مخصصون للإيقاع بالسجين الذي لم ينتزع المحققون منه اعترافاً. يزجون به الى غرف "عصافير" يزعمون أنهم على صلواتهم وقيامهم ماكثون، وهم في الحقيقة يستكملون عمل محققي الأجهزة الإسرائيلية! ربما يكون التظاهر بالدين، وإشهار التعبيرات والمواقف "الجهادية" من أسهل الطرق للخداع. وفي هذا السياق، تكون القراءة الصحيحة لما فعله مجرمون بجنود مصريين أبرياء. أما القول، بأن ليس هكذا تورد إبل الجهاد، وأن هذا ليس من الإسلام، وأن الجنود ليسوا هم العدو؛ فهو كلام سطحي وساذج. إن المسألة أعقد من ذلك.
والمهاجمون ليسوا في حاجة الى من ينبههم الى أن الجنود المصريين ليسوا أعداءهم، وأن ما فعلوه لا يقره دين، وأن الجريمة ليست جهاداً. هم يعلمون، لكنهم في وادٍ آخر!