المساواة الجندرية في الإعلام

هل الإعلام الفلسطيني عدو للمرأة أم صديق وحليف لها؟ وما هي الخطوة المطلوبة لتحقيق المساواة الجندرية في قطاع مهم بحجم الإعلام، وبحجم تأثيره والأدوار التي بات يلعبها في تحولات الرأي العام واتجاهاته؟ وما العلاقة بين كوابح المساواة في القطاع الصحافي مع ما يماثله في المجتمع؟ إنها الأسئلة المفتاحية المباشرة للحوار الدائر حول تحقيق المساواة الجندرية بين الصحافيين والصحافيات التي بدأت نقابة الصحافيين تثيرها بهدف وضع سياسة وخطة عملية. بادئ ذي بدء، لا بد من التعرّض إلى حدود المشكلة وعمقها، حيث توحي الإطلالة النسائية على الشاشة أن الإعلامية قد أخذت حجمها المناسب، ومن أجل ألاّ يبدو الموضوع كمن يفتعل قبّة من حبّة، ينبغي التعرف إلى حقيقة المشكلة ومبررات إثارة المساواة الجندرية في القطاع الإعلامي.

الأرقام خير مؤشر للدلالة على الحال، ولتوصيف الواقع بوضع النقاط على الحروف العائمة. وفي لغة الأرقام المجردة من الخطاب الإنشائي، فإن 52% من خريجي كلية الصحافة والإعلام في الجامعات الفلسطينية من الإناث، بينما لا تتجاوز نسبتهن في المؤسسات الإعلامية 17% من حجم العاملين في القطاع الإعلامي، وهي الأرقام نفسها التي تنطبق على وجود المرأة بشكل عام في سوق العمل. الإشكالية وفقاً للأرقام تُبرز الفجوة على صعيد مقاربة الكم والنوع في المؤسسات الإعلامية، كما تفضح الفجوة القائمة بين التراكم العددي للإعلاميات وبين الترقي المهني الذي أفرز عدداً محدوداً من الإعلاميات إلى مراكز قرار المؤسسات الإعلامية، وهو ما يزيح الستار عن ظواهر التهميش وأشكال العمل الكلاسيكي والنمطي وغيرها على مستوى الأجور وطبيعة المسؤوليات.

حال الصحافيات في المؤسسة الإعلامية الفلسطينية يشبه حال النساء في المجتمع، تمييز وهضم للحقوق وإقصاء عن المشاركة وحجز الترقي الوظيفي. وربما تزيد قليلاً التحديات المفروشة أمامهن في سباق المنافسة، والإعاقات البارزة من خلال الفروق الفسيولوجية والنظرة الاجتماعية التي تكبح الوجود المتساوي في ميدان الحدث والأرض التي تصنع الخبر، أو تحديات متطلبات العمل المتصادمة مع الثقافة السائدة التي تضع الشكوك حول الاختلاط والوجود في مركز تدافع الحدث ومكانه وزمانه. فلكي لا يقتصر "الميدان على حميدان" بسبب التفرقة والتمييز تبعاً لنظرية الظروف الأنثوية المعيقة، لا بد للإعلاميات من اقتحام القطاع بثبات وجرأة وثقة، لأن الابتعاد عن المكان الساخن في المتابعة يساوي جفاف الحبر ويصيب الأقلام بالأنيميا.

لا شك في أن تذليل العوامل الذاتية الخاصة بالصحافيات والإعلاميات أحد الأسس التي تسهل المساواة الجندرية، وتصنع دروع مقاومة وترفض أن توضع الصحافيات في خانة الحريم، ولكن في الوقت نفسه لا بد لنقابة الصحافيين من أن تتحمل مسؤولياتها في الدفاع عن مبدأ المساواة على صعيد إتاحة الفرص التي تشجع الصحافيات على الانخراط في نقابتهن وطرح رؤيتهن وحلولهن لردم الفجوة القائمة. إن العمل النقابي هو القاطرة التي تحمل على متنها المطالب والآليات التي تنظم التحركات والمبادئ القانونية، وتعمل على توفير الفرص بناءً على الأهلية والحق، ضمن رؤية تبتعد عن وضع مسؤولية المساواة على عاتق الصحافيات الفردية، الأمر الذي يظهر أن الدفاع عن حق الصحافية وكأنه هجوم على حق الصحافي، ويكرس عزل قضية المرأة وحلولها عن سياق القضايا المجتمعية وحلولها كمشكلة أنثوية.

لقد أطلقت نقابة الصحافيين حملة المساواة الجندرية؛ لذلك فهي مطالبة بأن تعمل على تقوية العمل في مجال النوع الاجتماعي والإعلام من جانب، بما يتضمن فكفكة النظرة التقليدية ومواجهة جميع أشكال التمييز ضد المرأة في المؤسسات الإعلامية، بالتوازي مع إصلاح ومراقبة طريقة تناول صورة المرأة في المادة الإعلامية على أساس رؤية النقابة، الأمر الذي يوصل إلى الابتعاد عن تخصيص عمل الصحافيات وحصره في الأبعاد النسوية والأسرية واستثنائهن من الموضوعات السياسية التي تعتبر الأساس الذي يستند إليه في التسليم لبراعة الصحافي والصحافية وكفاءتهما، ونقصه يعيق التقدم في السلم الوظيفي. حال المرأة في جميع القطاعات متشابه مع بعض الفروق الناتجة عن الظروف الخاصة بكل منشأة.

وتعود جذوره إلى تربة التمييز التي توحد المسطرة الاجتماعية التي تقاس بها وتقيّم من خلالها المرأة وأدوارها. التمييز ضد المرأة حقيقة واقعة في مختلف المواقع التي توجد فيها، والذي يتم تغطيته تحت وابل من بهرجة الخطاب الذي يبادل الحقوق بالورود، والمزيّن بقشور الكلمات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولكن ما يمكن أن يسري على المرأة بشكل عام، لا يمر بسلام على صعيد الإعلاميات.