نصيحة لمقاتلي الثورة السورية
الإعدامات الجارية على قدم وساق، في القتال المحتدم في سوريا، تُدمي القلب وتُلقي بظلال سوداء على مشهد الصراع، وتُربك آمال وتمنيات كل من يتمنون الوئام والاستقرار للمجتمع السوري في المستقبل. فالضحايا جميعاً سوريون، أياً كان الجانب الذي يقفون فيه. وإن كنا أسهبنا طويلاً في الحديث عن وحشية متأصلة في النظام السوري المستبد، فضلاً عن تجرده التقليدي من أية قيمة إنسانية، ناهيك عن تخففه التقليدي، من الحد الأدنى من الإحساس بالمسؤولية عن أرواح الناس وكراماتها؛ فإننا نربأ بالقوى الساعية الى سوريا ديمقراطية لكل أبنائها، أن يقابلوا سلوك النظام بسلوك مماثل، وأن يردوا على المجازر المتنقلة النازلة على شعبهم، بإعدامات ميدانية لمقاتلي الطرف الآخر ـ إن هذا الفعل، ينم عن تجرد آخر من المسؤولية، وتخالف به المعارضة مقاصدها التي بدأت بصيحات "سلمية" و "الشعب السوري واحد"! الإسلاميون هم أصحاب منطق الانتقام، على النقيض من الموروث الأخلاقي الإسلامي المتعلق بآداب الحرب.
فإن كان النظام السوري على الشاكلة التي أشبعناها وصفاً؛ أين هو الشكل النقيض الذي تسعى المعارضة المسلحة الى رسمه لمستقبل سوريا؟! نعلم أن القتل في المعركة، يكون دفاعاً عن النفس. لكن ديننا الحنيف أعطانا القاعدة الشرعية التي تقوم عليها معاملة الأسرى، وهي تركز على الرفق أكثر ما تركز على إقامة حد القصاص على كل أسير فرد. فالإسلامويون هم غير الإسلاميين.
الأولون يتلونون بقشرة دينية قوامها الألفاظ والتسميات للكتائب والجنود، بينما الأخيرون يتمثلون روح الدين السمح. ومن يتحدثون عن طريق مفتوحة بين حلب والخارج التركي، لا يصح أن يبرروا القتل بظروف المعركة وضيق الوقت وخطورة الأسرى. ولو اتبع المحسوبون على "الجيش السوري الحر" قواعد الشرع، لكان ربحهم السياسي والأدبي كبيراً، وسيساعدهم على تحصيله الأسرى أنفسهم عندما يُستنطقون أمام آلات التصوير، وذلك سيكون نقيض الخسارة الأدبية لهم، الناشئة عن تقزز الآدميين الطبيعيين من عمليات الإعدام والتمثيل بالجثث.
نقول هذا الكلام على سبيل النصيحة، مستفيدين من فرضية وصول هذه السطور لمن يعنيهم الأمر. فالقائمون على المواقع الإلكترونية السورية في الخارج، يتابعون ما نكتب. أما المجازر والإعدامات التي يقترفها النظام السوري فهي تعكس طبيعته ولا موجب لمحاكاتها من قبل من يسعون الى نظام مغاير في سوريا. فالطريق سالكة ومفتوحة أمام الشعب السوري الى النصر، بدون مجازر يقترفها الثوار المسلحون المقاتلون، لأنها تثير تخوّفات المجتمع السوري وتوقعهم في الآثام. ثم نحن لا نتجنى على الإسلامويين عندما نقول إن الإعدامات السريعة بدون إقامة حد القصاص على كل نفس، هي واحدة من طبائعهم. إن لم نستشهد هنا، من أمثلة غزة، بما وقع لمناضلين صقور فتحاويين، منهم من قُطعت جثثهم إرباً؛ فلدينا ما حدث في رفح لجماعة د. عبد اللطيف موسى، السلفي الدعوي، الذي أخذته كل إحباطات غزة، الى تبني السلفية الجهادية على صعيد الخطاب الذي لا مجال لتطبيقاته.
ما حدث، كان إعدامات، مقصدها السياسي والأمني، إبلاغ رسالة تطمين ووداد، الى الأميركيين والى أجهزة العسس في المنطقة، بأن "الجماعة" الحاكمة في غزة، تعتنق المبدأ الأمني الكوني ضد "الإرهاب" الجهادي السلفي، وكان ذلك قبل أن تنفجر المجتمعات وتنطلق ثورات الربيع العربي. ولم يكن لما حدث في رفح، أدنى علاقة بالإسلام. فلا خير في أمة، تنسى مظلوميها ومغدوريها. وهؤلاء الذين يذهبون بـ "الجيش السوري الحر" الى ممارسات مماثلة، هم من الطراز نفسه! بقي أن نقول، إن النظام السوري بات ميتاً سريرياً، إذ انكشفت كل عوراته. كلمة بشار الأسد لمناسبة ذكرى تأسيس الجيش، مثيرة للسخرية من حيث استخدامها لغة اسكندنافية تركز على قيمة الإنسان وحماية الشعب وكرامة أبنائه وأرواحهم.
ثم هو يصف المعارضة بـ "العدو" الذي "تسلل الى الداخل". لم يسأل نفسه، كيف ولماذا نجح "العدو" في "التسلل" وبدلاً من أن يضبطه الشعب السوري متلبساً بـ "التسلل" صار موالياً له، بل صار هو نفسه "العدو"، معبراً عن نفسه من خلال تظاهرات الملايين وانشقاقات كبار الضباط والموالين، ومن خلال حماسة الشباب للالتحاق بالمعارضة المسلحة. لقد بدأها الشعب السوري سلمية، وطرح مطالبه العادلة. لكن غرور من أدمنوا على السلطة دون أن يعترض أحد على سلوكهم، جعلوا الشعب عصابات ضالة، ثم "عصابات إرهابية". حتى العميد أو العقيد في الجيش، يتحول في لغتهم الى إرهابي، بعد دقيقة واحدة من انشقاقه اعتراضاً على انحراف مهمة الجيش وتحولها الى قتل الشعب!