حملة الانتخابات الأميركية تنطلق من إسرائيل!!

كما هو شأن كل انتخابات رئاسية أميركية، تصبح إسرائيل هي ميدان الصراع بين المتنافسين على الوصول الى البيت الأبيض او البقاء فيه لولاية ثانية، هذه المرة لم تكن مختلفة الا من حيث طبيعة "الميدان الإسرائيلي" اذ عادة ما يتصارع الخصوم في الولايات المتحدة لإرضاء إسرائيل التي بدورها تستثمر الحملات الانتخابية لابتزاز كلا الفريقين، وهكذا تتزايد لائحة الوعود والتقديمات والبرامج والتصريحات، من كل فريق، لاسترضاء إسرائيل.

هذه المرة، انتقل الجانبان الى الميدان على الأرض، الى إسرائيل ذاتها في محاولة من كل فريق استثمار نيل رضا إسرائيل، لجذب اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الى جانبه، ومع ان عدد الناخبين اليهود ليس حاسماً او مؤثرا من الناحية العددية في نتائج الانتخابات، الا ان الإمكانيات الهائلة من الناحية المالية، وما يمكن ان تتقدم به النخبة الرأسمالية اليهودية من تبرعات لصالح حملة الانتخابات لكل فريق، هو الامر الحاسم على هذا الصعيد، مع فارق وحيد هذه المرة، يتعلق بديانة المرشح الرئاسي الجمهوري ميت رومني الذي ينتمي الى الطائفة "المورمونية" والتي يعتبرها معظم المسيحيين لا تتصل بالمسيحية بأي صلة بينما تعاديها طائقة الإنجيليين، والتي بدورها تدين بالولاء لإسرائيل من الناحية الدينية، لذلك فإن زيارة رومني لإسرائيل تهدف فيما تستهدف الى استرضاء هذه الطائفة المعادية لطائفته، والاستقبال الحار الذي استقبل فيه في إسرائيل، هو احد اهم الرسائل التي يبعثها رومني الى الطائفة الإنجيلية.

وإذ تحسبت إدارة اوباما، لما سينتج عن زيارة رومني الى اسرائيل، بشكل مبكر، فإنها عمدت الى سلسلة من الزيارات التي قام ويقوم بها كبار رجالات هذه الإدارة، فقبل أسبوعين، واستباقا لزيارة رومني، قامت وزيرة الخارجية كلينتون بزيارة إسرائيل، تلاها مستشار الامن القومي توماس دونيلون حاملاً معه ما قيل عن خطة لمهاجمة ايران في حال تعثر التوصل الى وقف برنامج طهران النووي بالطرق السياسية، معلنا عن امتلاك واشنطن قنابل خاصة قادرة على اختراق المنشآت النووية المدفونة في أعماق الأرض، ورغم إشارة وسائل الإعلام الإسرائيلية الى عدم دقة ما استنتجته وسائل الإعلام الأميركية حول زيارة مستشار الأمن القومي، الا ان المصادر الرسمية الإسرائيلية اكتفت بموقف "اللا تعليق" كجزء من سياسة الغموض التي تتبناها إزاء العديد من القضايا ذات الأبعاد الاستراتيجية!

وبينما كان رومني يصل واشنطن قادما من إسرائيل، وصل الى هذه الأخيرة وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا في إطار الصدام بين الفريقين على كسب ود إسرائيل، متسلحاً بقرار الرئيس اوباما قبل أسبوع بتوقيع قانون يعزز التعاون مع إسرائيل في مجال الدفاع والأمن ويمنحها مبلغا إضافياً قيمته ٧٠ مليون دولار لتطوير منظومة "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى والصواريخ محلية الصنع، والجدير ذكره بهذا الصدد ان مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية لم يصدر اي بيان - كما جرت العادة - للترحيب بقرار اوباما سالف الذكر، الأمر الذي أثار استهجان عدد من المحللين الإسرائيليين حيث اتهم هؤلاء المستشار السياسي لنتنياهو "رون دريمر" بأنه مؤيد صلب لرومني، كما اعرب هؤلاء عن الخشية من ان مثل هذا الدعم المطلق لرومني من قبل نتنياهو سيؤدي الى شرخ استراتيجي بين اسرائيل والمعسكر الليبرالي في الولايات المتحدة، بما في ذلك الليبراليون اليهود انفسهم، وأشار هؤلاء الى ان ادارة اوباما، وبصدق، أثبتت خلال الولاية الأولى، انها إحدى الإدارات الأكثر صداقة ودعما لإسرائيل، مذكرين بانه ورغم الأزمة الاقتصادية التي تعصف ولا تزال بالولايات المتحدة، فإن إدارة اوباما دعمت إسرائيل بالملايين من الدولارات لتعزيز امن اسرائيل، خاصة في مجال إنتاج وتصنيع القبة الحديدية لمواجهة الصواريخ المحتملة التي من الممكن ان تطلق على إسرائيل، خاصة من جنوب لبنان وقطاع غزة.

وعلى الرغم من ان مساعي إدارة اوباما، وفيما يختص بالملف الإيراني، عمدت الى اقناع إسرائيل بعدم الإقدام على مغامرة الهجوم على المفاعلات النووية الإيرانية قبل التفاهم مع الولايات المتحدة، ورغم ان عددا من كبار رجالات الجيش والأمن في إسرائيل اعربوا عن تأييدهم للموقف الأميركي ازاء هذا الملف، إلا ان رومني اسمع نتنياهو ما يحب هذا الأخير ان يسمعه، خاصة عندما أشار احد مساعدي المرشح الجمهوري من ان رومني سيحترم قرار اسرائيل اذا ارادت التصرف "من تلقاء نفسها واستخدام القوة العسكرية لمنع ايران من تطوير سلاحها النووي، وهو الموقف - كما هور واضح المتعارض مع موقف ادارة اوباما حول هذا الملف. والملاحظ من خلال ما اسمته وسائل الإعلام الإسرائيلية "بالقطار الجوي الأميركي الى إسرائيل" عبر زيارات متتالية للمسؤولين الأميركيين قبل قرابة اشهر من الانتخابات الأميركية للرئاسة، ان ملف الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة الملف الفلسطيني، كاد يغيب عن أنشطة هذا القطار، ما يشير الى ان نتنياهو نجح في اقناع الفريقين، الديمقراطي والجمهوري، ان لا أمل في اي نجاح للمساعي الداعية الى استئناف العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، وان اي جهد في هذا السياق مآله الى الفشل، فلماذا تبذل اي إدارة أميركية جهدا حول ملف سيسجل فشلها في هذا المسعى، وقد استبدل نتنياهو انتباه اي إدارة أميركية ملفات الشرق الأوسط بنجاح بملف البرنامج النووي الإيراني، الى أقصى الحدود.

ولعل ما يلفت الانتباه، الى ان رومني تناول ملف الشرق الاوسط، من زاوية محددة، تشير الى مدى عنصريته عندما اعلن ان القدس هي عاصمة إسرائيل وانه سينقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب الى القدس المحتلة، الا ان ما شكل عنصرية وقحة عندما أعاد الفرق بين دخل الفرد الإسرائيلي مقارنة بالمواطن الفلسطيني لصالح الأول، الى المستوى الثقافي والحضاري لليهود متجاهلا الأسباب لهذا الفرق التي تعود في جوهرها الى إجراءات الاحتلال التي تمنع اي تطور او تنمية حقيقية للاقتصاد الفلسطيني!!

www.hanihabib.net