هنية: عنوان الانقسام

ثمة تشابه بين محمد مرسي الرئيس المصري الإخواني وإسماعيل هنية رئيس حكومة حماس المقالة في غزة، ليس مبعثه أن الرجلين مسؤولان اخوانيان لهما صفة رسمية تتجاوز الدائرة الحركية، حيث يبدوان "طيبين" _ والبسة بتوكل عشاهما _ يبدوان كناسكين أو زاهدين في السلطة والحكم، حيث يحرص الأول على أن يطل على الناس إماماً يؤم المصلين في يوم الجمعة، ويكثر من الدعاء الذي يؤثر في النفوس والقلوب، ومثله بدأ الثاني يظهر في صلاة التراويح كواحد من العامة الذين تحبهم الناس .

من وراء كواليس الواجهة الأولى لحركة حماس تقدم هنية في "برايمريز" الحركة عشية انتخابات العام 2006 متقدما على قادة أكثر منه قوة ونفوذا داخل الحركة، من امثال: محمود الزهار وحسن يوسف، ومن ثم صار رئيسا لحكومة حمساوية، قبل ان يكون فيها الزهار "على مضض" الرجل الثاني كوزير لخارجيتها، وتقدم الثاني لمقعد الرئاسة المصرية كاحتياطي لرجل الإخوان القوي _ خيرت الشاطر، الذي بالكاد رشحته بعض الأوساط لمنصب رئيس حكومته او نائبه في الرئاسة، قبل ان يقوم هو بتكليف هشام قنديل برئاسة أول حكومة في عهده. من الطبيعي إذا ان يظهر اللقاء بين الرجلين بالشكل الحميمي الذي كان عليه قبل نحو أسبوع، وان كان قد سبقه مشهد هنية وهو يوزع الحلوى بنفسه في غزة احتفاءً بفوز صديقه مرسي بانتخابات الرئاسة المصرية .

لكن الأمر الذي لم يكن طبيعيا هو ان يستقبله رئيس مصر بصفة رسمية , وهو، وكما يعرف الجميع، في أحسن احواله رئيس حكومة مقالة، لا صفة شرعية لها، وفي أسوأها مسؤول منشق عن السلطة الفلسطينية، ويشكل عنوانا لانقسام داخلي يقض مضاجع الفلسطينيين منذ أكثر من خمس سنوات. صحيح ان الرئيس المصري كان قد استقبل قبل هنية كلا من الرئيس محمود عباس والسيد خالد مشعل رئيس حركة حماس، لكن ذلك لا ينفي ولا يدحض المعنى السياسي لاستقباله هنية، فلو انه استقبله بصفته الحزبية لكان تم ذلك ضمن وفد يضم قادة حماس برئاسة مشعل، ولو انه استقبله كشخصية فلسطينية لكان ذلك يمكن ان يتم من خلال وفد يكون هنية عضوا فيه ويترأسه ابومازن او أية شخصية أخرى . المشكلة او لنقل السقطة السياسية الفادحة التي ارتكبها الرئيس المصري باستقباله هنية تكمن في صرف النظر عن كون هنية عنوان الانقسام الفلسطيني، ومن السهل إثبات ذلك، لأنه أولا هناك عنوان سياسي للسلطة الفلسطينية هو الرئيس أبو مازن والحكومة التي تمتثل له، واسماعيل هنية منذ رفض قرار ابو مازن اقالته متمرد على السلطة، بل ويمثل عنوان التمرد والانقسام، وحتى انه لا يتساوى مع سلام فياض، لأن الأخير ببساطة يمتثل لرئاسة السلطة، فيما الثاني يشكل بوجوده في غزة "كرئيس لحكومة تدير شؤونها " بمعزل عن رئاستها سلطة ورئاسة موازية، كرست الانقلاب، وسيّست الانقسام، ولو انه امتثل لقرار الإقالة _ كما فعل معظم وزراء حماس في الحكومة الحادية عشرة من المقيمين في الضفة _ أو في أي وقت لكشف الغطاء عن قوة العسكر التي تحكم غزة بالقوة .

تشبث هنية بالسلطة في غزة يشكل حتى اللحظة أحد أهم العقبات في طريق الانقسام، وكل ما يعلنه شخصيا هو وأركان حكومته يذهب بغزة الى اعلانها كدويلة مستقلة، رغم انف الفلسطينيين، وحتى أن كان ذلك يجري " بحسن نية " وهو ليس كذلك، فان ذلك يؤكد القول بأن الطريق الى جهنم مبلط بالنوايا الحسنة. لمَ لمْ يعلن مرسي والرئاسة المصرية بوضوح وعلنا بان طريق فك الحصار عن غزة يكمن في انهاء الانقسام، ولمَ لا يعلن الإخوان بوضوح لحماس في غزة تحديدا ان عليهم ان يكفوا عن اوهام الخروج بغزة من عباءة الوطن الفلسطيني، عبر شعارات فك الحصار عنها او تخفيف ما تعانيه من مشاكل هم السبب الرئيسي لها، ان كانوا يريدون عدم تحمل المسؤولية التاريخية عن تكريس الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس بتسليط الأضواء على غزة؟.

تبدو دعوة مرشد الإخوان محمد بديع عشية استقبال مرسي لهنية بضرورة انهاء الانقسام ووحدة الفلسطينيين، مناشدة لا قيمة لها، ان لم تكن ذرا للرماد في العيون، وكذلك فإن قول الإخوان بأن الرئاسة الاخوانية ستكون على مسافة واحدة من فتح وحماس يبدو كلاما فارغا، ما لم يقطع الفعل السياسي لكل من حركة الإخوان والرئاسة الإخوانية الشك باليقين، من خلال التأكيد على الممر الإجباري لحرية غزة من خلال انهاء الانقسام، وعدم التعامل مع سلطتين متوازيتين فلسطينيتين، في الضفة وغزة، واحدة برئاسة ابومازن والثانية برئاسة هنية. فهنية ليس رئيسا لحكومة فلسطينية، والتعامل معه كأحد قادة حماس له أصوله وتقاليده، حيث يجب ألا يستقبل في أي مكان بطريقة مختلفة عن استقبال الزهار او الحية او ابو مرزوق، وغير ذلك لا يكون الا فعلا سياسيا يشد على يد التمرد والانقلاب، ويؤكد الانقسام الفلسطيني بتشجيع اصحابه على الاستمرار فيه والسير على طريقه، من خلال الإيحاء بأن إطلاق كيانه في غزة بات أمرا في متناول اليد، ولعل تزايد المخاوف التي أظهرها الشارع الفلسطيني بعد الاستقبال "الرسمي" لرئيس مصر للسيد إسماعيل هنية، ما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ما ذهبنا إليه، فقط تبدو بارقة الأمل الأخيرة في ان الإجراءات المصرية تجاه غزة لم تصل _ بعد _ الى نقطة التحول بمعناها السياسي، فهي لم تتجاوز بعد تحسين العمل في معبر رفح، وفي محاولة تحسين تشغيل شبكة الكهرباء، لكن تبقى اليد الفلسطينية على القلب، الى ان يتم الإعلان صراحة من قبل الرئاسة المصرية والقيادة الإخوانية على ان مصر لن تعترف ولن تعمل على أن تستقل غزة ككيان سياسي منفصل، وان التباحث في شؤونها لن يكون الا عبر قنوات السلطة الشرعية .