"اللّي بإيدُو الله يزيدُو"

طلال عوكل-زمن برس 

الازدحام الذي يضجّ به أوتوستراد العلاقات الأميركية الإسرائيلية، في هذه الأيام، يدل على مدى تأثير اليهود، وإسرائيل في السياسات والشخصيات الأميركية، إلى الحد الذي يتولد معه الانطباع بأن رئيس الولايات المتحدة، تتم صناعته وتوظيفه، وفق خصائص معينة، ومن قبل اللوبي اليهودي. لا نناقش هنا آليات عمل المؤسسات الأميركية، وآليات صنع القرار، وما إذا كانت إسرائيل هي التي ترسم أو تقود سياسة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، أم العكس، فهذه مسألة اختلف بشأنها الفقهاء ولكن ما يجري منذ بعض الوقت، يؤكد أن أوباما، الرئيس الأميركي من أصل إفريقي لم يصمد على موقفه من الاستيطان، وأنه أخذ يهرول لاسترضاء إسرائيل. لاحظوا أن ميت رومني المرشح الجمهوري للرئاسة، يقوم بزيارة لإسرائيل ويبدي استعداداً لتقديم كل ما يلزم لإرضاء ساستها، وربما يقدم تعهدات شفهية أو خطية لتقديم ما يفوق كل ما يقدمه الديمقراطيون. في مرحلة الانتخابات التمهيدية في الأحزاب، قدم غينغريش، أحد المرشحين للرئاسة عن الجمهوريين، نموذجاً للعنصرية والفاشية حين ألغى وجود الشعب الفلسطيني من أساسه.

ثقافة وعقلية غينغريش ليست معزولة، وهو ليس مخبولاً، أو يعبر عن رأي فردي، فهو مرشح ولحسن الحظ أنه فشل، لقيادة الدولة الرئيسة للعالم، وبالتالي فإن مناخ وثقافة رومني، من غير المستبعد أن تكون بعيدة عن ثقافة غينغريش هذا ما نحن فيه كفلسطينيين وعرب، بين الديمقراطيين والجمهوريين تضيع كل الحقوق، وتمنح إسرائيل كل ما تنتظر ولا تتوقع من دعم ومكافآت.

الصوت اليهودي، له ثمن باهظ، ثمن بملايين الدولارات، وثمن يساوي قيماً، وأوطاناً، ويساوي كرامات رجال قد يذكرهم التاريخ ضمن قائمة العظماء، فلقد حصل باراك أوباما على جائزة نوبل للسلام، دون أن يحقق السلام، فيما تلقى من مسؤولين إسرائيليين إهانات لا يمكن لمن يعرف معنى الكرامة، أن يتجاوزها.

وزير الدفاع الأميركي هو الآخر يقوم بزيارة هي في الأساس وأولاً، وأخيراً لإسرائيل فقط، إنما يجري إضافة محطات أخرى، من باب تقديم رشوة شكلية كاذبة لبعض العرب من أن واشنطن لا تتجاهلهم أو من باب الحصول على ضمانات من تلك الدول لصالح الأمن الإسرائيلي. قبل هذا الوزير كانت الوزيرة هيلاري كلينتون، التي جاءت مطمئنة قادة إسرائيل، بأن "الربيع العربي" هو لمصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل، ولتؤكد أن إسرائيل ستظلّ قرة العين، وخليلة القلب التي تقود العقل الأميركي العظيم. قبل الوزيرين كان مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي قد زار المنطقة، والمقصود بالمنطقة هنا حسب التقاليد الأميركية الجديدة القديمة هو إسرائيل وفي كل مرة، يترتب على كل زائر أن يقدم العطايا والمنح، وأن يؤكد بالملموس وليس بالكلام، أن الولايات المتحدة تضمن كل الوقت أمن إسرائيل وتفوقها.

يُقال في الكواليس إن الأوروبيين، الذي استرجعوا إحياء نحو ستين اتفاقية في اطار رفع مستوى العلاقة مع إسرائيل، يستهدفون من بين أشياء أخرى، شراء صبر إسرائيل تجاه الملف النووي الإيراني، الذي تضعه حكومة نتنياهو على رأس أولوياتها، وتقلبه على نار حامية.

هل يندرج هذا الهدف ضمن أجندة الزوار الأميركيين؟ ربما ولكن العلاقات الأميركية الإسرائيلية فضلاً عن أصالتها، فإنها تبنى على أساس المنفعة بما في ذلك المنافع الشخصية، إذ يتبادل المرشحون للرئاسة مع نتنياهو، الدعم والتأييد. إذا كان ثمة بضعة اشهر حتى يحين استحقاق الانتخابات في أميركا، وتشهد العلاقات الأميركية الإسرائيلية كل هذا الزخم من التدليع، فكيف عندما يقترب الاستحقاق فيصبح على الأبواب؟ لاحظوا أن الرئيس الأميركي لم يترك مسألة شراء الصوت اليهودي لمساعديه ووزرائه، وإنما يدخل على الخط بين الحين والآخر، كما يحصل هذه الأيام حيث يحرص على أن يخرج بنفسه أمام الإعلام ليتحدث عن مشروع قانون يقدمه للكونغرس، "خص نص" لدعم إسرائيل. الرئيس أوباما يبدو فرحاً أمام وسائل الإعلام، وهو يتحدث عن تفاصيل مشروع القرار وما ينطوي عليه من دعم استراتيجي ونوعي يدلّ على مدى عمق وإخلاص صاحبه لإسرائيل واللوبي اليهودي، حتى لو كانت إسرائيل دولة عنصرية وتمارس إرهاب الدولة.

وأُراهن أن الرئيس أوباما كان ليتمنى أن يذهب بنفسه إلى إسرائيل لكي يُقبِّل رأس شمعون بيريس، وأوداج نتنياهو، وسالفي أفيغدور ليبرمان، ليبلغهم مدى إخلاصه وحرصه على إسرائيل، وبأنه يمكن أن يفتح لها خزائن الولايات المتحدة، المالية والعسكرية والأمنية وحتى الأخلاقية.

على كل حال تستحق إسرائيل ما هي عليه، ونستحق كعرب ما نحن عليه. إن العالم لا يحترم الضعفاء، وقوة الحق، قد تنفع للتاريخ، أو للحفظ في بطون الكتب ولكن حق القوة هو الذي يصنع الحقوق، ويزوّرها، ويغيرها أو يقصيها. العرب في أوروبا، وفي الولايات المتحدة، ليسوا قلّة، وليسوا فقراء، إنما هم مشتتون، تشتتهم أنظمتهم ومنظماتهم في بلدانهم الأصلية. العرب مشغولون في بعضهم البعض، وهم يسجلون انتصاراتهم على بعضهم البعض، فلا يبقى وقت أو جهد لتحقيق الانتصار على مغتصبي الحقوق والمصالح والكرامات الوطنية. إذا لم تصدقوا ما نقول، اسألوا الفلسطينيين، واسألوهم لماذا تعاني القضية من التهميش كما يقول الدكتور سلام فياض.