البنك الدولي بين تقريرين
اصدر البنك الدولي مؤخرا تقريرا حول ممارسة انشطة الاعمال في (183) دولة وانظمة حكم ذاتي، احتلت السلطة الوطنية موقعا ضعيفا جدا . وافاد التقرير الذي اعده جون ناصر المعتمد من المؤسسة المالية الدولية، واحد الاذرع الضاربة للولايات المتحدة في العالم، على ان واقع السلطة الوطنية تراجع ب(4) اربع درجات عن العام الماضي.وجاء ترتيب الحكم الاداري الذاتي الفلسطيني ال (132) والاستنتاج الاهم في التقرير الجديد، والذي يتناقض كليا مع الاستنتاج، الذي اصدره ذات البنك الدولي في نيسان \ ابريل 2011، هو ان الاقتصاد الفلسطيني غير جاهز لانتقال السلطة الى دولة؟ في حين جزم التقرير السابق ب"الجاهزية العالية لاقامة الدولة الفلسطينية في اي وقت من الزمن في المستقبل القريب."؟
مما لا شك فيه، ان تقرير البنك الدولي لامس الصواب لجهة واحدة واساسية، هي ان الاقتصاد الفلسطيني غير قابل للتطور بالمعنى الحقيقي، رغم كل المنشطات والخطط الحكومية الفلسطينية. لان اقتصاد بالاساس ضعيف ولا يعتمد على ركائز اقتصادية قوية وخاضع للاحتلال، وتابع كليا لسوق الدولة المحتلة، وانظمته ومعاييره وتشريعاته وقوانينه لا يمكن ان يكون قادرا او مؤهلا للتطور.
والاقتصاد الفلسطيني خاضع كليا للاقتصاد الاسرائيلي، والبنية الاقتصادية منذ التوقيع على اتفاق اوسلو واقامة السلطة الوطنية وحتى الان تعتمد على اموال ومشاريع الدول المانحة ، وبالاساس اقتصاد هش لا يسيطر على الارض الفلسطينية حيث يخضع 62 % من مساحة الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 لسلطات الاحتلال الاسرائيلية، بما في ذلك الغور، الذي يشكل سلة الغذاء الفلسطينية، فضلا عن سيطرة دولة الابرتهايد على نحو 80% من مصادر المياه الفلسطينية، والقدس خارج نطاق سيطرة السلطة الوطنية، وهناك استلاب كامل لارادة السلطة، اضف الى مواصلة مصادرة وتهويد الاراضي والبناء الاستيطاني الاستعماري عليها، واستمرار الحواجز والعراقيل الجمركية، وقطاع السياحة والخدمات مشلول لاكثر من سبب وسبب، وجلها مرتبط بسياسات وانتهاكات الاحتلال الاسرائيلي، وعدم تمكن السلطة من بناء مطار دولي (والمطار الدولي الذي تم بناؤه في غزة تم تدميره خلال الانتفاضة الثانية) وافتقاد السلطة لميناء بحري حال ويحول دون التواصل مع العالم الخارجي، وايضا عدم وجود ممر امن بين الضفة والقطاع ، كل العوامل السابقة افقدت الحكومة التمكن من النهوض بالاقتصاد الوطني، وببناء بنية تجارية مقبولة، وحالت دون التجارة البينية في النطاق الوطني وايضا في النطاق الاقليمي والدولي.
لكن السؤال الابرز، الذي يطرح نفسه على البنك الدولي ومن يقف ورائه، ماذا تغير منذ نيسان\ ابريل 2011 حتى اصدار التقرير الجديد في تموز \ يوليو الحالي؟ بالامس كانت السلطة جاهزة فورا لاقامة الدولة اما اليوم فإنها غير قادرة وغير مؤهلة ، لماذا ؟ واين يكمن الخلل ؟ ومن المسؤول عن ذلك؟
والاهم مما تقدم من الذي سمح للبنك الدولي ان يحدد جاهزية او عدم جاهزية الدولة الفلسطينية؟ هل مسألة الدولة الفلسطينية مسألة شكلية او تقنية حتى يدلو البنك الدولي بدلوه في شأنها ؟ ولماذا تسمح القيادة الفلسطينية للبنك الدولي التدخل في مسألة تتعلق بجوهر المشروع الوطني؟ ام ان القيادة باتت تغمض عينيها عن جوهر العملية السياسية مرضاة لاميركا ومؤسساتها المالية العالمية، التي مازالت تقرر في شؤون ومستقبل الشعوب والدول، وكأن لا حول لها ولا قوة ؟ موضوع الدولة الفلسطينية ، موضوع سياسي بامتياز لا يجوز لاي قوة سياسية او اقتصادية – مالية التدخل فيه وتحديد ما يمكن وما لايمكن بشأنه، لان هذا الموضوع مرتبط بمصير ومستقبل الشعب الفلسطيني وحده دون سواه، دون تغييب دور العامل الموضوعي الحاسم في هذا الشأن.
مع ذلك يفترض الربط بين ما تمخض عنه تقرير البنك الدولي وتلاشي واضمحلال خيار حل الدولتين للشعبين على حدود الرابع من حزيران \ يونيو 1967. لان البنك الدولي لا ينطق عن الهوى، وليس مجرد مؤسسة مالية للتمويل ، بل هو مؤسسة تخضع لامبراطورية العولمة واهدافها وتوجهاتها السياسية، وبالتالي على القيادة الوطنية التوقف امام التقرير الدولي والربط المباشر مع ما تنفذه دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة، واستخلاص العبر والاستنتاجات السياسية العلمية، ووضع البرامج وانتهاج اشكال كفاحية اكثر تأثيرا في مسار العملية التحررية بما في ذلك تغيير الاهداف والادوات واليات العمل المتبعة حتى الان. ولا يجوز اخضاع المستقبل السياسي للشعب الفلسطيني للفرضيات والبرامج، التي استنزفت، وباتت خارج نطاق الفعل والتأثير والقبول الفعلي لا الشكلي.
مواصلة العمل بالبرامج والاليات القديمة استنزاف لطاقة الشعب وقواه الوطنية والاجتماعية والاقتصادية دون طائل، ودون اية نتائج تذكر، لا بل لها نتائج عكسية ضد مصالح الشعب الفلسطيني واهدافه الوطنية. الامر الذي يفرض الخروج من تحت العباءة الاميركية، التي ادارت الظهر من حيث المبدأ للقيادة الفلسطينية، واخذت مؤسساتها التشريعية وغيرها تهاجم مباشرة رأس الشرعية الوطنية، وامسى موضوعا على جدول اعمال الكونغرس الاميركي، وباتت تربط خيوطها مع "البديل " الاخواني 0الحمساوي) الجاهز والمستعد للانقضاض على ما تبقى من الشرعية الوطنية.. الكلمة الاخيرة للشعب اولا وللقيادة ثانيا ، لان مصير الكفاح التحرري امسى في مهب الريح.