الغضب السوري

الغضب

يوسي ملمان

كانت إسرائيل هذا الاسبوع قريبة أكثر من أي وقت مضى من دوامة الحرب الاهلية في سوريا، والخطر لم يتلاشى بعد. مر 53 شهرا على هذه الحرب. والقيادة السياسية والقيادة العسكرية، برئاسة بنيامين نتنياهو – وزير الدفاع اهود باراك وبالذات موشيه يعلون وقادة الاركان بني غانتس وغادي آيزنكوت ـ تتصرفان بحكمة ومسؤولية وحذر من اجل عدم التدخل في ساحات القتل. وباستثناء حوادث معدودة لاطلاق خاطيء إلى داخل إسرائيل وبضعة أحداث إرهابية ضد جنود إسرائيليين، فان الهدف الذي من اجله وضعت السياسة ـ الحفاظ على الهدوء في الحدود الشمالية ـ قد تحقق. القصف الجوي الذي نسب لسلاح الجو الإسرائيلي ضد قوافل السلاح المتطور من سوريا إلى حزب الله، لم يضر بهذه الاستراتيجية الحكيمة.

قبل اسبوعين كتب هنا، تحت عنوان «الشيطان طائفي»، أنه إذا اضطرت إسرائيل للتدخل في الحرب الاهلية، فان ذلك سيحدث بسبب الطائفة الدرزية في إسرائيل والجولان وسوريا. وقد ظهر يوم الاثنين بأن الامور تخرج عن السيطرة وأن إسرائيل قد تجد نفسها منجرة، بعكس رغبتها، إلى التدخل في الطرف الثاني للحدود.

بدأ ذلك في يوم الاثنين صباحا، في قرية حورفيش في الجليل الاعلى، عندما أغلق بعض العصبيين طريق سيارة الاسعاف التي نقلت مصابين سوريين إلى المستشفى. وقد استطاعت سيارة الاسعاف التملص وأصيب أحد المهاجمين. كان يجب أن تضيء هذه الحادثة الضوء الاحمر. بل وقبل ذلك كان يجب أن يضاء الضوء الاحمر في الاجهزة الامنية: في نهاية الاسبوع الماضي تظاهر عشرات الدروز أمام المستشفى في نهاريا احتجاجا على العلاج الذي يتم تقديمه لمصابي الحرب من سوريا. لكن الجيش والشرطة المسؤولين عن حفظ النظام، وبدرجة أقل «الشباك» المسؤول عن الاستخبارات، لم يفهموا المغزى مما يحدث.

ومع مرور بضع ساعات على أحداث حورفيش، حدثت الحادثة الاصعب. خلال مظاهرة بالقرب من مجدل شمس شارك فيها 150 شخصا، قام المتظاهرون بايقاف سيارة اسعاف عسكرية وضربوا حتى الموت أحد الجرحى السوريين وأصابوا الآخر اصابات بليغة وكذلك أصيب الجندي والضابط باصابات طفيفة. كانت هذه هي المرة الاولى التي يحدث فيها «لينش» في دولة إسرائيل. كانت في السابق أحداث قليلة قام بها مواطنون إسرائيليون بالتنكيل بجثث المخربين. لكن هذه هي المرة الاولى التي يُنكل بها مصابون. وهذه بالتأكيد المرة الاولى التي يكون فيها المصابين تحت حماية الجيش الإسرائيلي ومسؤوليته.

منذ ايلول 2013 تقوم إسرائيل بتقديم العلاج الطبي للمصابين من سوريا. المصابون باصابات طفيفة يتم علاجهم في مستشفى ميداني أقامه الجيش في شمال الجولان. والمصابون الاكثر خطورة يتم نقلهم في سيارات الاسعاف إلى المستشفى في صفد، نهاريا وحيفا. هكذا حصل 1600 مصاب على العلاج – نساء واولاد ورجال ومقاتلون من المعارضة ايضا.
الدافع وراء القرار الإسرائيلي تقديم المساعدة الطبية واحيانا المساعدة في تقديم الغذاء والاغطية والادوية، هو انساني. إسرائيل هي دولة الشعب الذي عانى من اللامبالات التي تسببت بالكارثة، ولا تستطيع الوقوف عند رؤية الناس وهم يقتلون وراء الحدود.
هذا قرار اخلاقي حظي بالتأييد لدى الإعلام والجمهور، وهو يمنح إسرائيل نقاط استحقاق لدى الرأي العالمي. اضافة إلى ذلك، تنجح إسرائيل في جمع المعلومات حول ما يحدث في الطرف الآخر للحدود، وتقوم من خلال المصابين بنقل رسائل مهمة.
ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي سئلوا عن هذا الامر وقالوا المرة تلو الاخرى إن العلاج يقدم لكل مصاب دون السؤال عن هويته أو انتمائه التنظيمي. وحتى لو كان هذا صحيح، فان هذا التفسير ليس في صالح إسرائيل. شيئا فشيئا انتشرت الشائعات التي حظيت بالاهتمام في وسائل الإعلام العربية والدولية، بأن اغلبية المعالجين هم مقاتلو جبهة النصرة، الذراع السوري للقاعدة. هذا غير صحيح. يمكن أن مصابي جبهة النصرة عولجوا في إسرائيل، ولكن لا يتجاوز الامر حالات استثنائية.
إن الذي ساهم في الشائعات هو تقرير مراقبي الامم المتحدة في الجولان الذي نشر قبل بضعة اشهر، الذي وثق لقاءات على الحدود، في القنيظرة، بين ضباط الجيش الإسرائيلي وممثلي التنظيمات المتمردة. ولم يحاول التقرير معرفة التنظيمات أو التمييز بينها، لكن حقيقة أنه على طول الحدود تعمل بضع تنظيمات لجيش سوريا الحر وجبهة النصرة، تسببت بذلك. وهكذا ثبتت المعادلة: إسرائيل تريد الحفاظ على الهدوء في الحدود. جبهة النصرة تسيطر على الحدود. ومن هنا فان إسرائيل وجبهة النصرة متحالفتان.
لهذه المعادلة انضمت مؤخرا متغيرات ترتبط بتراجع وضع الدروز في سوريا. الجالية التي تضم أقل من مليون شخص، أيدت دائما النظام العلوي، لكن العلاقة بينها وبين النظام ساءت في الاونة الاخيرة، هذا النظام الذي كان ركيزتها. بدأ مقاتلو داعش بالتقدم وتهديد المراكز الكبيرة في جبل الدروز، وادلب في الشمال حيث قتل 20 درزي من قبل جبهة النصرة. وكان هذا يكفي لخلق شعور حقيقي أو وهمي بأن الجالية الدرزية في سوريا في خطر.

الدروز، بالمناسبة، ليسوا صدّيقين. من التقارير التي وصلت هذا الاسبوع تبين أنهم قتلوا في جبل الدروز بدو اشتبه بأنهم متعاونين أو يمكن أن يتعاونوا مع داعش. في قرية خضر ايضا في جبل الشيخ السوري، التي تقع على مفترق طرق مهم لدمشق، سجلت بعض الاحداث. إنها قرية يؤيد ابناءها نظام الاسد ويخدمون في الجيش واجهزة الامن التابعة له. وليس صدفة أن حزب الله حاول في الماضي ويحاول الآن أن يقيم لنفسه في تلك المنطقة موقع عسكري للعمل ضد إسرائيل. ومن هناك حرك حزب الله بالتعاون مع النظام بضع عمليات ضد إسرائيل.
في التقارير في الصحف العربية قيل هذا الاسبوع إن حزب الله قد عين مصطفى مغنية قائدا لقطاع الجولان السوري. واذا كانت التقارير صحيحة فانه يخلف شقيقه جهاد الذي قتل قبل بضعة اشهر في قصف نسب لسلاح الجو الإسرائيلي. جهاد ومصطفى هم ابناء عماد مغنية «وزير الدفاع» لحزب الله الذي قتل في دمشق في كانون الثاني 2008 في عملية نسبت للموساد. وهما أولاد شقيق من يعتبر اليوم القائد العسكري لحزب الله، مصطفى بدر الدين، صهر عماد. كل شيء يبقى داخل العائلة.
على خلفية التقارير حول الخطر على دروز سوريا، بدأ التضامن الدرزي وطبول «الدمدم» بالعمل ساعات اضافية. وقد استغل الاسد وحزب الله هذا الوضع وبدآ في نشر معلومات كاذبة للتحريض في الشبكات الاجتماعية ومكالمات هاتفية مباشرة وبث تلفزيوني، وكأن إسرائيل توجد في صف واحد مع جبهة النصرة وداعش ضد الدروز. الاجهزة الامنية والاستخبارية الإسرائيلية التي كانت على علم بالحملة الدعائية لنظام الاسد وحزب الله، لم ترد، أو أن ردها لم يكن بالمستوى المطلوب.
رسائل الكذب وصلت إلى بعض أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل، وبعض قادتها، ولا سيما شباب الطائفة، وبدأوا بالحديث بصوت مرتفع أن هناك خطر وجودي على اخوانهم في سوريا. هذا الخطر اضطر المستوى السياسي والعسكري، بدءً من رئيس الحكومة، وزير الدفاع وقائد الاركان، بنشر رسائل حول «وحدة الدم» بين إسرائيل والدروز مواطني الدولة، وتم التلميح بأن إسرائيل ستتحرك من الناحية الانسانية على الاقل لمساعدة الدروز في سوريا، إذا كان هناك خطر كبير. وقد نشرت رسائل حول خطط للجيش في حال حاول آلاف الدروز التوجه إلى الحدود الإسرائيلية. والقلق على مصير اخوانهم قد ولد الغضب والرغبة في الانتقام التي لبست شكل مهاجمة سيارات الاسعاف.
في اعقاب احداث هذا الاسبوع أبدى الزعماء الدروز في إسرائيل وعلى رأسهم الشيخ موفق طريف، تحفظهم مما حدث، وعملوا على تهدئة الخواطر. وفي الجيش والشرطة و»الشباك» ايضا بدأوا في استخلاص العبر. تم اعتقال عشرة مشبوهين في مجدل شمس وحورفيش، والجيش يدرس الآن امكانية مرافقة سيارات الاسعاف التي ستنقل المصابين. وتغيير خط سيرها بل وأخذهم في جوا. يمكن أن يزيد «الشباك» من اهتمامه ومتابعته للدروز في البلاد، الذين يشتبه بأنهم على صلة مع النظام في دمشق.
الامر الأكثر أهمية هو أن إسرائيل لا تنوي وقف المساعدة الانسانية. ومهم ايضا عدم تدخل إسرائيل في الحرب. هذه سياسة تخدم المصالح الوطنية لإسرائيل.

يوسي ملمان

معاريف

صحف عبرية

حرره: 
م.م