67 عاماً..الكبار يموتون والصغار يتشبثون بحق العودة
ديالا الريماوي
(خاص) زمن برس، فلسطين: سبعة وستون عاما مرّت على ذكرى النكبة، وفي كل عام يتجدد الأمل بالعودة إلى يافا وحيفا وعكا واللد والرملة، إلى كل القرى والمدن التي هجّر سكانها، أعوام مات الكبار ولم ينس فيها الصغار بأن لهم أرض وبيت وحق. مفتاح العودة و" الكوشان" والذاكرة هي كل ما تبقى للاجئ وهي إرث الأبناء والأحفاد.
الحاجة فاطمة محمود (67 عاما)من قرية المالحة غرب القدس، لم تعش في قريتها، فبعد ثلاثة أشهر من مولدها حدثت النكبة وهاجرت عائلتها إلى بيت لحم ومنها إلى ترمسعيا ومن ثم إلى مخيم الأمعري، لكنها رغم ذلك تحدثك عن الحياة في المالحة، وتروي قصص عن الحياة في القرية.
من رواية والدة فاطمة لها عند خروجهم من المالحة، "ما حدث في دير ياسين وانتشار الأخبار أن العصابات الصهيونية تقوم بارتكاب المجازر، دبّ الرعب في قلوب السكان، فكل القرى التي كانت تجاور المالحة أيضا سمعت بذلك كعين كارم ولفتا وكالونيا، وما أن اقترب العصابات الصهيونية من تلك القرى، حتى بدأوا بمغادرة بيوتهم وقراهم، منهم من أغلق بيته وأخذ مفتاحه، ومنه من اكتفى بأن يخرج فارغ اليدين ينجو بروحه".
كان الاعتقاد السائد بأن ما هي إلا بضعة أيام وسيعودون، مختار المالحة أخبر السكان بأن من يستطيع الخروج فليخرج فورا، وسيعود بعد ذلك كل إلى بيته، وهو ما دفع بعضهم إلى ترك بيته مفتوح وفيها كل ما يثبت بأن له حق وأرض وبيت.
ما زالت الحاجة فاطمة تحتفظ بمفتاح بيتهم وبـ"كواشين" الأرض في المالحة، على أمل العودة إلى قريتها، إذ قبل أن تتوفى والدتها كانت تحرص على أن توصيها وتذكرّها بأن لهم بيت وأراض في المالحة، تحدثها عن بيتهم وبيوت أعمامها وكأنها تخذها في رحلة إلى هناك تصف لها القرية حتى تستدل إن عادوا إلى القرية.
تقول:" بعد عام 1967 سُمِح لنا بزيارة قُرانا، شكلت مجموعة من الشباب والصبايا جولة إلى قرى ومدن الداخل، أمي كانت تقول لي أن بيتنا وبيت أعمامي يقع بعد جامع القرية بجانب البيت كان هناك شجرة مشمش، قرعت الباب لتخرج يهودية يمنية وسمحت لنا بالدخول".
تكمل فاطمة كان يوجد داخل البيت بئر، عندما قلت لليهودية تفاجئت بوجوده داخل المنزل، من الصعب أن تعود إلى بلدك زائرا وتقرع باب بيتك ويسمح لك بالدخول أو يرفض، شعرت أن هناك ما يشدني إلى الأرض رغم أنني لم أكبر فيها.
أما عن الكواشين، ففي تركيا النسخة الأصلية وفي الأردن هناك مكتب لديه صورة عن هذه النسخ الأصلية، توثق تلك الكواشين ملكية الأراضي ومن الأشخاص الذين يحدك من كل الجهات.
تجمع الحاجة فاطمة أبنائها وأحفادها تحدثهم عن حياة سكان المالحة، كيف كانت والدتها تستيقظ الفجر لتخبز، إذ كان لكل بيت طابون، فوالدتها كانت تخرج تحمل معها سراج صغير وهو مكون من زيت وخيط يتم اشعاله ليضيء الطريق، تحدثهم أيضا عن كروم العنب والأراضي المزروعة بأنواع عديدة من المزروعات، تحاول بذلك أن تنقل لهم ذاكرة والدتها وتزرع بداخلهم حب الأرض.
تقول فاطمة:" أنا احتفظت بمفتاح منزل عائلتي، أولادي وأحفادي بدورهم سيحتفظون بذلك المفتاح وتلك الكواشين، إن لم أعد أنا سيعودون هم حتما".
وعن حياة المخيم، تصف الحياة بالصعبة جدا ففي البداية لم يكن هناك خيام حتى جاءت "الاونروا" ونصبت الخيام في المخيمات في بداية الخمسينات، وبعد ذلك استبدلت الخيام بـ" الكرفانات" ومن ثم بنيت البيوت، لكن رغم ذلك كان الناس متعاونين جدا، يتشاركون بلقمة العيش.
لكل لاجئ أمنية واحدة، أن يعود إلى البلاد وهو على قيد الحياة وأن يسلم ابنه مفتاح منزله، ومن ثم أن يدفن في تراب بلده.