العلم لا يزال يدرس تقليل حجم خسائر مآسي تسونامي

زمن برس، فلسطين: لم يتعرض العالم حديثا على الإطلاق لكارثة طبيعية لها تداعيات بعيدة المدى مثل زلزال وموجات المد تسونامي التي حدثت في 26 ديسمبر/ كانون أول 2004.

فلم يكن الأمر مجرد عنف الحدث، إذ أشارت أحد التقديرات لبي بي سي بعد وقت قصير من وقوعه إلى أن الطاقة المنبعثة تعادل أكثر من عشرة قنابل من حجم قنبلة هيروشيما.

فضعف الإمكانيات كان أمرا مهما، إذ لم يكن لدى المجتمعات المكتظة بالسكان على طول الشاطئ في شمال سومطرة وحول خليج البنغال أي نوع من الحماية أمام الأمواج التي اجتاحت السواحل.

وفي المنطقة الأكثر تضررا، وهو ميناء باندا أتشيه الواقع على الطرف الشمالي من سومطرة، وعلى طول الشاطئ المحيط، قتلت أمواج تسونامي 170 ألف شخص، أي قرابة ربع السكان.

وكانت سومطرة معروفة بأنها معرضة وليس كغيرها من المناطق الأخرى للكوارث الطبيعية.

ومع ذلك، تم تغافل خطر حدوث التواء في قاع البحر بطول خط التماس البالغ 1600 كيلومتر من الطرف الشمالي من سومطرة حتى جزر أندمان في خليج البنغال، فلم يكن هناك أحد على استعداد ولم يكن هناك نظام إنذار.

فمن المفيد أن نقارن بين تسونامي المحيط الهندي وتسونامي اليابان في عام 2011.

فالآلية كانت متشابهة إلى حد كبير، إذ حرك زلزال عنيف في قاع المحيط مئات الكيلومترات من الأرض، وولد ضغطا تراكم عبر قرون من حركة الصفائح التكتونية.

وفي اليابان، كذلك، أعرب الخبراء عن دهشتهم خصوصا من حجم زلزال 2011.

وعلى الرغم من ذلك وبتاريخها من الزلازل المتكررة وأمواج تسونامي المميتة كانت اليابان على أتم استعداد لهذا الهجوم العنيف، بحوائط ضخمة لصد الأمواج ومنعها من التقدم، وأنظمة إنذار تسونامي، وصافرات إنذار وبرامج إذاعية لتوعية الناس بضرورة إخلاء منازلهم والتوجه إلى المناطق الآمنة.

ولا شك أنه دون تلك الاستعدادات كان عشرات الآلاف من الأشخاص سيلقون حتفهم.

لكن في الحقيقة، كان موت نحو 20 ألفا من الضحايا دليل على أن إجرءات الحماية لم تكن كافية.

وانهارت حوائط تسونامي أو جرى تجاوزها بفعل الأمواج المرتفعة غير المتوقعة.

وركن البعض إلى شعور خاطئ بالأمان. ولم تكن خطط الإجلاء مناسبة. فبعض البنايات التي صممت كمناطق آمنة للسكان للجوء إليها حالة اجتياح تسونامي مرتفعة بما فيه الكفاية، وغرق من جرى إجلاؤهم في ملاجئهم.

ويعتمد نظام الإنذار الياباني على الإشارات الزلزالية التي تنتشر بفعل عملية تصدع الصفائح التكتونية تحت سطح البحر.

ثم تجرى مقارنة تلك الإشارات تلقائيا إلى مجموعة من الأحداث المتوقعة التي جرى حسابها قبل وقت طويل، إضافة إلى ارتفاعات الأمواج المحسوبة بناء على أفضل العلوم المتاحة.

واستمرت الوكالة المعنية في تحديث نشرات الطقس أثناء اجتياح تسونامي، لكن فرار معظم السكان من مسار الأمواج وتركهم منازلهم، وانقطاع التيار الكهربائي، لم يكن واضحا من الذي سمع التحديثات.

وفي بعض الحالات، عام 2011، كان لدى إندونيسيا نهج أفضل من اليابان، وذلك بفضل تعاونها مع ألمانيا فيما أطلق عليه النظام الألماني الأندونيسي للإنذار المبكر بأمواج تسونامي.

واستطاعت أجهزة استشعار ضغط قاع المحيط التي وضعت بعيدا في مياه البحر الشعور بوزن الأمواج العالية.

وتتمكن كذلك أجهزة نظام تحديد المواقع على الأرض التي تتحرك أثناء وقوع أي زلزال من توفير مقياس غير مباشر لحركة قاع البحر.

تعرض النظام إلى اختبار حي وحقيقي في عام 2012، عندما أثار زوج من الزلزال القوية أمواج تسونامي منخفضة بعيدا جدا عن الشاطئ قبالة باندا أتشيه.

وعملت أجزاؤه، وصدر تحذير يمكن الاعتماد عليه في غضون خمس دقائق، على الرغم من تعرض بعض عوامات قياس عمق المياه للتدمير عندما استخدمها صيادون لسحب مراكبهم.

وواجه استعدادت إندونيسيا لأمواج تسونامي لاختبار أكثر إزعاجا في عام 2009، عندما هز زلزال قوي نسبيا المدينة الكبرى في بادانغ.

وكان الميناء الذي يبعد نحو 900 كيلومتر عن مقاطعة باندا أتشيه ويسكنها 800 ألف شخص أو أكثر ما يهم خبراء الزلازل.

وبعد أن ضرب الميناء زلزال عنيف في 1797، قال كاتب هولندي في مذكراته: "كانت أمواج البحر تهدر غاضبة حتى وصلت إلى النهر."

وعلى مدى الـ200 عاما التالية، كانت القوى التكتونية قد تراكمت مرة أخرى، وكان يخشى تكرارها، خاصة أن فترة الانقطاع بين اهتزاز الأرض والأمواج الأولى لا يتعدى 25 دقيقة.

ولم يكن زلزال 30 سبتمبر/ أيلول 2009 هو التكرار الذي نخشاه، إنما ما نخشاه هو التحرك لمواجهة خطأ فرعي صغير.

وأسفر الزلزال عن انهيار المباني، ومصرع 1100 شخص، وإصابة 2000.

ولأن ذكريات تسونامي 2004 لا تزال حاضرة بقوة، حاول السكان هناك الفرار من المدينة بقدر ما يستطيعون.

وقالت إحدى الروايات: "في غضون 20 دقيقة، أغلقت الشوارع بالمركبات، وانطلقت الصافرات بصوت مرتفع للغاية، ولا تكاد السيارات تتحرك وهو ما أسفر عن حدوث فوضى لم تر من قبل."

وكان نصف مليون شخص يحاولون الفرار عبر الشوارع المكتظة. فيما لا زالت الشوارع عقب ساعات من وقوع الحادث مزدحمة.

ولحسن الحظ، لم يكن هناك تسونامي، وانطلق نظام الإنذار –وهو نموذج مصغر من النموذج الألماني الإندونيسي بنجاح. لكن لم يسمعه أحد، وتعرضت أنظمة الاتصالات لعطب.

ولو كانت هناك موجات تسونامي لكان عدد الضحايا قد ارتفع عن حصيلة عام 2004

حرره: 
م . ع