الغرب وبلاغة الكلام في الشأن السوري

ما يجري في الأمم المتحدة، حيال الشأن السوري، ينم عن حرص الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، على حُسن تنظيم علاقات القوة بينهم، لاعتبارات تتجاوز ما هم بصدد مناقشته. ففي وجهتها الجديدة، تتصدر الولايات المتحدة، سياسة جديدة، أحد أعمدتها، الاستمرار في محاولات احتواء روسيا والصين، على قاعدة أن الغرب يؤسس إمبرياليته الجديدة، التي لا يقارعها طرف آخر، وأن هذا الغرب، يملأ العالم الأول، لذا ينبغي أن تصبح الأمم المتحدة، من خلال أدائها، مؤسسة تليق به دون سواه. وفي هذا السياق، يصبح الغرب الانتقائي بطبعه، هو المكلف أو المعني حصراً، في تحديد حجم ردة الفعل العملية على كل جريمة يقترفها أي نظام بحق شعبه، وهو المعني بـ "تهذيب" الثورات، لكي لا تنتصر بعدها "ايديولوجيات مضَللة" أو قوى استقلالية فعلاً!

هدف الغرب المتعلق بمصالحه مع الصين وروسيا، أكبر في الأهمية عنده بكثير، من تطلعات الشعب السوري. فالمعادلة الجيو ـ سياسية ـ الاقتصادية هي التي تحكم. وثمة فكرة ضاغطة لموازنة المصالح. لذا فإن ما ينطق به الغرب، حول سورية، لا يعدو كونه نوعاً من البلاغة الظافرة، التي برعت في تغيير وتطوير الاقتراحات والمقاربات، دونما كابح حقيقي للنظام السوري من شأنه أن يحقن دماء الناس. وواضح أن إطالة أمد الحسم في سورية، يعود بالدرجة الأولى الى استنكاف الغرب، عن خدمة الحقيقة وحسمها بالدرجة الأولى.

فلم يُعن طرف دولي حتى الآن، بتقديم معلومات متوافرة، إن كان عبر الأقمار الاصطناعية أم عبر القنوات الاستخبارية؛ لمنع النظام السوري من اتهام المعارضة بالجرائم المروّعة ومن محاولات إثارة الشكوك حول حقيقة اقترافاته. وبخلاف ما يطفو على سطح الكلام، وآخره كلام المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة، الذي تقمص ثوب الرحمة ودان ممارسات النظام السوري ضد شعبه، مستغلاً المناسبة لإدانة إيران و"حزب الله"؛ ثمة مؤشرات أخرى من ميدان التنظيرات الفكرية لليهود المحافظين في أوروبا والولايات المتحدة. فلدى هؤلاء شبه إجماع على أن العدو الأول للمشروع الصهيوني، هو "تجمع المتشددين العرب السُنة، الذي يتشكل من خليط الإخوان المسلمين والناصريين وسواهم" حسب ما كتب الكسندر آدلر، الفرنسي اليهودي المتشدد.

فهؤلاء الكتاب والخبراء يرون في مسألة الملف النووي الإيراني مجرد لعبة سياسية، وأن هدف الإيرانيين "ليس تهديدنا نحن اليهود، وإنما بلوغ التفوق على العالم العربي السُني، ومعادلة قنبلة باكستان التي مولتها السعودية" مثلما جاء في عمود للكاتب آدلر في صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية!

* * *

على الرغم من ذلك، بدا الغرب مضطراً للنطق البليغ بإدانة المجازر. لكنه يوجه في الوقت نفسه، آليات عمل الأمم المتحدة وديبلوماسيته في سياق منع تسليح الشعب السوري بذريعة تحاشي الحرب الأهلية، بينما الحرب الأهلية قائمة، والثائرون حددوا أهدافهم وشعاراتهم، على الأقل فيما يتصل بوحدة أراضي سورية ووحدة شعبها. لذلك فإن جوهر الموقف الإسرائيلي، الذي عبرت عنه مجموعة من الإشارات الدالة على عدم الاكتراث وعدم الحماسة لإسقاط نظام "الممانعة" يؤكده الكاتب الصهيوني ألكسندر آدلر :"من دون الذهاب بعيداً لكي أصف بشار الأسد بأنه حليف؛ أقول إن على بشار الأسد اليوم أن يصمد في سورية، على الأقل لكي يضمن أن يصبح جزءاً من حل تفاوضي"! هذه هي حقيقة موقف إسرائيل والغرب. لكن النظام السوري، لفرط غبائه، لم يستطع التعامل مع هذه الإشارات، حرصاً منه على إضفاء قليل من الصدقية، على مزاعم "المؤامرة الاستعمارية" التي استهدفت "المقاومة"!