"أدقيقة" حين تصبح الحياة حلماً

أدقيقة

تقرير أعده طلبة الإعلام في جامعة الخليل:

زمن برس، فلسطين: على بعد حوالي 40 كيلو مترا أقصى شرقي مدينة الخليل، يقع تجمع أدقيقة البدوي بتعداد سكاني يقرب من 360 نسمة، يحلم كغيره من التجمعات البدوية والمناطق المهمشة بعيش كريم وحياة آمنة وسعيدة ولكن يبقى الحلم حلما بالنسبة إليهم، فهم يقبعون بين مطرقة الاحتلال وسنديان التهميش واللامبالاة من قبل السلطة الفلسطينية ليبقى الأمل الوحيد لهم هي المؤسسات الأجنبية والإسلامية التي تمد لهم يد العون والمساعدة في بعض الأحيان.
خليل الكعابنة (58) عاما تحدث لنا عن التجمع قائلا: "هذا المكان موجود منذ زمن بعيد فأنا ولدت هنا وأبي أيضا، وبين لنا امتدادات العائلة التي خرجت من أدقيقة جميعها لتنتشر في رام الله وأريحا والكثير من المناطق التي يتوفر فيها مراعي، متحدثاً عن الأيام الخوالي التي كانت تعم فيها البركة والأمن ومن ثم الشعرة التي قسمت ظهر البعير وهي الاحتلال الإسرائيلي، والتي كانت لفلسطين كاملة لكنها كانت قاسية على أبناء أدقيقة، فاستشهد العديد منهم على حدود عام 48 وتعرضت أدقيقة للحرق مرتين في عامي 55 ،67 .
أما في الحاضر فالمعضلات والمشاكل حسب رأي خليل حدث ولا حرج فالتحدي الكبير الذي يواجههم هو مشكلة المياه فالحصول على المياه يشكل عبئا كبيرا ويضع على كاهلهم حملا ثقيلا فقلة الأمطار جعلت من آبارهم أماكن لتجمع الجراثيم والحشرات فبات المصدر الوحيد لهم هو شراء المياه والتي تصل تكلفتها لمبالغ خيالية حيث يصل سعر العشرة أكواب إلى 1000 شيكل أو أكثر في حال استطاعوا توفيرها.


وبمحياه الذي بدت عليه آهات الحياة وصنع به الزمان صنعه، أطل علينا أبو كامل (80) عاما ليروي قصة أخرى من قصص المعاناة، فقصص أبو كامل كثيرة مع هذه الحياة بدأها بشكوى من المسؤولين الفلسطينيين الذين لم يكفوا عن إصدار الوعودات للأهالي بشتى أنواع المساعدات والتي بقيت مجرد كلام لا يسمن ولا يغني من جوع، فيما بدا على وجهه بعض السعادة بذكره بعض المؤسسات الأجنبية والإسلامية التي تقدم لهم المساعدات في حال سلمت من نهب المسؤولين في السلطة ومن بطش الاحتلال.
مشاكل أدقيقة لم تنحصر في أمور محددة وإنما الوضع هناك تفوح منه رائحة كارثة إنسانية تتربص بسكانها فلا صحة ولا تعليم ولا مسكن ولا كهرباء ولا ماء ولا حتى ابسط مقومات العيش.
وتشكو أم أيمن (45) عاما من ندرة الخدمات الصحية فكل ما يتوفر هو زيارة لطبيبة أجنبية لمدة ساعة كل أسبوع، إلى جانب أن الوصول إلى اقرب مركز صحي في حال المرض أو الإصابة ليس بالهين فالطريق التي فتحها الاحتلال لإتمام بناء جدار الفصل العنصري صعبة ووعرة والسكان هناك لا يملكون إلا بعض السيارات المشطوبة والتي لا تسلم من ملاحقة الشرطة الإسرائيلية والفلسطينية في آن واحد.
"التعليم حق" لكن ليس لأبناء هذا التجمع البدوي، فمدرسة التجمع تضم 55 طالبا، وتدرس للصف الخامس فقط، فيما يحتاج الطالب بعد ذلك إلى معجزة ليتم تعليمه، وهو ما يؤكده أحمد خليل في الصف العاشر ومن القلائل الذين وصلوا إلى هذه المرحلة متحدثاً عن المتاعب التي يواجهها فهو يدرس في اقرب مدرسة وهي مدرسة أم الخير والتي تبعد حوالي خمسة عشر كيلو عن مكان سكنه يمشيها يوميا للوصول إلى هناك.
الاحتلال كعادته صاحب النصيب الأكبر في المشاكل والمخاطر التي يواجهها السكان ويزداد هذا الخطر لوجود تجمع دقيقة ضمن مناطق تدريب جيش الاحتلال ،وهو ما يرويه  الحاج خليل عن تهديدات جيش الاحتلال والرعب الذي يعيشه السكان جراء إطلاق النار أيام التدريب والذي يجبر فيه السكان على البقاء في خيامهم حتى توقف إطلاق النار، إلى جانب منع بناء بيوت تؤويهم، وحتى المواشي لم تسلم من الاحتلال ففي كثير من الأحيان تتم مصادرتها ويتم إرجاعها مقابل دفع غرامة ماليه أو تتم مصادرتها نهائيا.
وبالرغم من كل ذلك فقد بدا الإجماع على البقاء وعدم ترك الأرض ومغادرتها واضحا وجليا فبمجرد سؤالنا عن إمكانية البقاء في المستقبل أو الخروج رفض الجميع مبدأ الخروج بأي شكل من الأشكال ووجهوا كلمة أخيرة للسلطة الفلسطينية لمساعدتهم والنظر إليهم بعين العطف ليتمكنوا من الصمود والبقاء.

*هذا التقرير جزء من حملة التواصل والإعلام "الحياة اليومية في مناطق ج" ضمن مشروع "تسهيل فرص الوصول للخدمات والأراضي والممتلكات من قبل التجمعات الأكثر ضعفاً في مناطق ج" والممول من قبل مكتب المساعدات الإنسانية والحماية المدنية في الإتحاد الأوروبي

حرره: 
م.م