دفاعات وركائز حماس في الحرب النفسية

الحرب النفسية مع اسرائيل

عبد الله عبوشي-تحليل 

زمن برس، فلسطين: اختارت حركة حماس اسم "العصف المأكول" كمسمى للرد على الحرب التي أعلنتها "إسرائيل" على القطاع المحطم المحاصر ومن قبل هذا الاسم أطل علينا أبو عبيدة الناطق الرسمي بإسم كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكري لحماس مرتين أعد للأولى ورتب للثانية على عُجالة .

ولكن من الواضح أن الأهداف من المؤتمر الثاني كانت في كل الاتجاهات، باتجاه العدو "اسرائيل" وباتجاه العرب وباتجاه الوسطاء أيضاَ وبصرف النظر عن جنسياتهم ومواقعهم، وباتجاه الداخل الفلسطيني، والأهم من كل ذلك باتجاه النفس الحمساوية، أما الأخيرة فكانت بالمظهر الذي ظهر فيه أبو عبيدة الناطق الرسمي باسم كتائب القسام ويظهر من خلفه غطاء عسكري كالذي تخفى فيه رواجم الصواريخ وذلك في تأكيد على أن كل القساميين قادة وجنود موجودون بالميدان وفي ذلك رسالة مهمة للنفس الحمساوية والتي تريد إيصال رسالة مفادها" أن لا مناصب في الحرب كلنا جنود وكلنا نقاتل".

وكانت الرسالة الهامة الأخرى في ذلك المؤتمر هو نحن إخوة لمصر ولا ننسى تضحياتها عبر التاريخ لشعب الفلسطيني وعيون فلسطين فمن هنا جاء إطلاق اسم العاشر من رمضان على عملية اطلاق الصواريخ على المدن المحتلة عام 48 وتيمناً بالشهداء المصريين الذين سقطوا في العاشر من رمضان في حرب عام 1973 والتي حقق فيها الجيش المصري فيها انتصاراً على "إسرائيل" كما قيل لنا من وسائل الإعلام التي عايشت تلك الفترة من الزمان.

أما الحرب الضروس التي تدور بين "إسرائيل" وحماس منذ شهرٍ تقريباً فتدور رحاها في أروقة الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي في أكبر تجلٍ "للحرب النفسية" التي يخوضها الطرفان لكسب النقاط وإيلام الخصم وجمهوره دون أن يضرب هدفا واحد بطائرة أو صاروخ.

ولكن مع بدء العدوان كان هناك تحول في الرسائل والحرب النفسية من كلا الطرفين، فأما حماس فكان إنتاجها من الرسائل الموجهه للجمهور الفلسطيني والعربي  قليلاً جداً بالمقارنة مع الرسائل والتطمينات التي كانت تخرج بها إبان حرب "حجارة السجيل" أو كما سمها الاحتلال "عامود السحاب" واستخدمت أسلوب التهديد والوعيد هذا ما كان منها في البداية.
وحققت بعضا من وعودها والتي كانت تراهن على تحقيق الوعود القليلة أفضل ألف مرة من تحقيق جزء من الوعود كالمرات السابقة وأظن هنا أن الحركة نجحت بذالك عندما قالت إنها ستوسع دائرة المعركة كلما صعد الاحتلال، فأفرجت عن سلاحها الجديد والذي تمثل بصارخ "R160" وما تلاه من استهداف حيفا وديمونا لأول مرة بصواريخ فلسطينية الصنع.

وبالعودة للمؤتمر الثاني والذي أوضح فيه أبو عبيدة شروط حماس لأي هدنة محتملة يمكن للوسطاء أن يتدخلوا فيها، كان لافتا أن أحد الشروط هو "كف "إسرائيل عن العبث في المصالحة الفلسطينية" وهنا مأخذ كبير يحسب على القسام ويحسب له، يحسب عليه أنه ذراع عسكري وطرحه لمثل هذا الشرط يبين أن الذراع العسكري يسيطر على الحركة وليس العكس، وأما يحسب له فهو حرصه على المصالحة وهذا أمر جيد أمام الشعب الفلسطيني وبخاصة أشقائهم بحركة فتح.

وتتابعت بعيد المؤتمر الثاني العمليات النوعية والتي تمثلت بتفجير نفق تحت برج المراقبة في معبر كرم أبو سالم المحاذي للقطاع واقتحام قاعدة "زكيم" العسكرية البحرية والواقعة في بحر عسقلان عن طريق "ضفادع بشرية" أو "كوماندوز حماس"، ومن هذه العمليات جاء دعم رسائل حماس التي بعثتها للأطراف المختلفة من خلال وسائل إعلامها المتنوعة، برسالة واضحة وقوية مفادها "حماس تنفذ وعودها وتدخر المزيد"، وهذا ما حمل قادة الإحتلال على مهاجمة هذه العمليات والتي لم يعرف نتائجها إلى الآن من قبل حماس و"إسرائيل" واكتفت الأخيرة بنشر فيدوهين لعملية اقتحام زكيم مشكوكاً بمصداقيتهما، وكان ذلك أشد دليل على المفاجئة التي صدمت الاحتلال ولم يعرف كيف يبررها لجمهوره، وكانت تلك أحد مشاكل الحرب النفسية الإسرائيلية.

فلجأ جيش الإحتلال هنا لتشديد وزيادة الدمار في البيوت الآمنة وقتل الأطفال لتخرج بعد ذلك عدة صفحات اجتماعية على الفيس بوك بتمويل كبير وتنتشر بين الجمهور الفلسطيني تحمل في طياتها صور الدمار دونما صور الأطفال الرضع الذين شردوا وقتلوا في تلك الهجمات، فالجيش ذكي من هذه الناحية فلو نشر مثل هذه الصور لأدان نفسه بنفسه، ولكنه اكتفى بصور الدمار وعلق على الصور بــ "حماس تدمر حياتنا" دونما تحديد الكيفية ومن فعل ذلك.

فيمكننا الجزم هنا ولو قليلا أن حركة حماس استطاعت في هذه الجزئية على الأقل تحطيم وضحد الحرب النفسية الإسرائيلية ودفعها نحو مخاطبة الجمهور الفلسطيني مباشرة وهذه المرة ليس عبر المتحدث الرسمي باسم الجيش أو من خلال بعض القنوات العربية التي تستضيف المتحدثين الاسرائيليين فحسب بل للمخاطبة بشكل مباشر كما أسردنا من خلال افتتاح صفحات موجهة لمخاطبة الفلسطينيين وأحيانا بالاتصال هاتفياً على المواطنين في غزة وتحريضهم على المقاومة هناك وبث الشائعات والأكاذيب، وهذا ما دفع وزارة الداخلية بغزة لتوعد كل من يحاول نشر الشائعات بين المواطنينن، وهذا نجاح يحسب للمقاومة الفلسطينية في تسيير الحرب النفسية بدفعها الاحتلال لمخاطبة الجمهور بشكل مباشر وهذا ما يدلل على فشل "إسرائيل" هذه المرة بالحرب النفسية الموجهه للجمهور الفلسطيني وبحثها عن وسائل جديدة.

وفي كل يوم يمر تزداد الحرب النفسية التي تنتجها الأجهزة الإعلامية التابعة لحماس وتتوسع دائرتها لنلاحظ التطور فيها، فكانت منذ بداية الحرب ضعيفة وهزيلة وكدنا نخرج بتحليل "المقاومة المترهلة"، ففاجأتنا وعرفنا أنه من الأفضل أنها بدأت كذلك، فلو نشرت مثلاً صور وفيديو وحدة الضفادع البشرية لربما كانت إسرائيل احتاطت أكثر من هذه الناحية وظهر هنا الهدف بتجلي من وراء الرسائل الضعيفة التي انتجتها ومفادها "دعوا العدو يتخبط ويتكهن بقدراتنا ويعشعش القلق بداخله"، فلو عرف العدو القدرات لاستعد لها لا جلس يتكهن ويقلق".

ويمكننا تأكيد هذا التطور والتدليل عليه باتشار خبر كاذب حتى على وسائل الإعلام العبرية بأن هناك أربعة مقاتلين فلسطينين اقتحموا مدينة "إيلات" بطائرات شراعية وهو ما تبين لاحقاً أنه إشاعة وقع فيها العدو وعاش رعباً كذاباً".

واللافت للنظر هنا أن أحد شعارات حماس التي اختفت من مصطلحات الحرب النفسية فجئة هو "اليوم نغزوكم ولا تغزونا" ليصرح أبو عبيدة في مؤتمره الأخير "والذي أبقى في الصورة من خلفه علامة استفهام حول صاروخ لم يظهر بعد" نحن ننتظر العملية البرية ولربما هنالك ما يعدونه لنا من مفاجئات لذلك توقفت فجأة الصور والفيديوهات الدعائية عن الإعداد للحرب البرية وربما هنالك ما يبرر ذلك ولكننا لا نعرف حتى الآن ولن نعرف إلا مع حدوث مواجهه برية حقيقية".

ولكننا نستطيع أن نستشف من الفيديو الدعائي التي نشرته الكتائب للشهيد أحمد الجعبري "وباعتقادي الشخصي" أن اظهار هذا الفيديو بهذه اللحظات العصيبة كان موفقاً لنشر المعنويات العالية بين صفوف المقاتلين أولاً وبين عموم الناس بالقول "نحن على خطاهم، ونحن جيل التحرير كما وصفنا بحبنا للموت ولقتال العدو" وهنا أحد أهم أسس الحرب النفسية أن تري العدو ضخم حجم الإعداد الذي تعده له".

ويبقى الباب موارباً على مزيدٍ من التكهنات ولكن تقييمنا حتى الآن أن الحرب النفسية لدى المقاومة بدأت بشكل تصاعدي وهي تبلي الآن بلاءً حسناً.

حرره: 
م.م