تدمير العائلات الفلسطينية

جيش الاحتلال الإسرائيلي

«الشباك» بعمله الذي يحاول به أن يدعم اليهود ومصالحهم في المناطق المحتلة هو الذي يسبب ثورة الفلسطينيين

بقلم: عميره هاس

لا يلومون الله. هذا ما تعلمته من آلاف العائلات الفلسطينية التي عرفتها من قريب ودمرت اسرائيل حياتها على نحو ما. ولا يسألون ايضا «أين الله»، ولماذا يبيح أن ينكلوا بالمؤمنين المخلصين به على هذا النحو.
كدت أنسى مبدأ أنهم لا يلومون الله في الاسبوع الماضي في بيت محمد عوض الله في إذنا الذي كان يوشك الجيش الاسرائيلي أن يدمره. إن أخ عوض الله متهم (ولم يحكم عليه بعد) بقتل اسرائيلي، وقد استقر رأي الجيش الاسرائيلي والمحكمة العليا على الانتقام من أبناء عائلته جميعا. قالت لي واحدة من بنات العائلة: «قولي لنتنياهو إن الله يعاقب كل ظالم. فالله سيعاقب نتنياهو كما عاقب شارون». فأجبتها اذا كان الامر كذلك فقد تأخر جدا، وكنت أقصد أن العقاب تأخر لشارون. لكنها فهمت أن شارون تأخر في استحقاقه للعذاب.
ويجوز اللوم عندنا في مقابل ذلك، فبعد الشرطة والجيش الاسرائيلي جاء دور «الشباك» لتلقي الانتقاد. فرجال الشرطة ونساؤها والجنود والجنديات لم يعالجوا بمهنية دعوات استغاثة غيلعاد شاعر والوالد أوفير شاعر. ولم يعرف «الشباك» بأنه توجد خلية ما لحماس تخطط لعملية اختطاف.
إن تقصيرات الشرطة والجيش الاسرائيلي بشرية لكن تقصير «الشباك» إلهي على قدر توقعات الاسرائيليين منه: فـ «الشباك» يطلع على سريرة الانسان ويفترض أن يعلم ما الذي يُطبخ في أدمغة ستة ملايين فلسطيني يعيشون تحت حكم يهودي وأن يحبطه. أما نحن البسطاء فلسنا قادرين حتى على تخيل نظام الاشخاص والوسائل والادوات التي يملكها «الشباك» والتي تنتج هذا العلم فوق البشري. فهناك مخبرون ووشاة وتنصت ومُركزون ومديرو اقسام ومناطيد وطائرات صغيرة بلا طيارين وهوائيات واجهزة أمن فلسطينية واعمال تعذيب ومُستنطقون. وينطوي نقد «الشباك» لأنه لم يعرف ولم يتوصل في موعد مبكر الى الخاطفين والقاتلين قبل الاختطاف والقتل، ينطوي على فرض أن كل الوسائل التي يملكها تُمكن من هذا العلم، من جهة تقنية. ويكون الاستنتاج أن الاخفاق الالهي هنا تقني. وقد خيب الاله الآمال لأنه يستطيع.
يقف الانتقاد الاسرائيلي عند العلم وعند الاسباب التقنية لعدم وجوده قبل المراحل التي تلي ذلك وهي العلم والفهم لأن هذا هو التوقع ايضا من اجهزتنا الاستخبارية أن تعرف فقط، وأن تعامل الفلسطينيين جميعا على أنهم مشتبه فيهم ومذنبون محتملون أو مساعدون لا بشر. ولا يحتاج رجال «الشباك» الى معرفة وفهم البشر والتاريخ، واذا فهموا فعليهم أن يفهموا الفهم بعد أن يتركوا عملهم حينما تجرى معهم مقابلات من اجل افلام كثيرة الاقبال عليها. ويحدد عملهم بجوهره أن يتأخر فهمهم أو أن يتأخر إسماعهم للفهم.
إن العاملين في الشرطة والجيش الاسرائيلي و»الشباك» هم موظفون وعمال دولة. ومن الواجب عليهم أن يُمكنوا من تحقيق أهداف الدولة وحكوماتها وإلا فلا يحصلون على رواتب. وهناك هدف أعلى واحد، كما يثبت تاريخ الـ 47 سنة الاخيرة، وهو أن يسكن الضفة الغربية اكبر عدد من اليهود مع تدمير حياة اكبر عدد ممكن من الفلسطينيين. ومن عمل اجهزة الامن أن تهتم بسلامة اليهود في كل بؤرة استيطانية ومستوطنة كي يستطيعوا الاستمرار على الاستمتاع بالمناظر الطبيعية والتسهيلات الضريبية. وتعظم فقط مهمة اسكانهم في الضفة بازاء فشل جهود الدولة في جعل اكبر عدد من اليهود يستوطنون قطاع غزة الذين لولا أنهم كانوا قليلين جدا لما أجلاهم شارون في 2005. وهناك هدف أعلى آخر، كما تبرهن سني الدولة الـ 66، هو نقض عرى الشعب الفلسطيني الى ألا يستطيع ولا يريد أن يطلب تحقيق حقه في تقرير المصير (وتوجد اهداف اخرى مثل الاتيان باليهود جميعا في العالم الى هنا. وإن الفشل في هذه الحال صارخ جدا بحيث كففنا عن عد هذا الهدف).
ما هو اذا العلم والفهم الذي يطلب الى «الشباك» – وكل الاسرائيليين معه – ويؤمر ويدرب على ألا يستخلصهما من المعلومات التي يملكها؟ إن الحقيقة هي أن صوغ هذا الجواب مهين ببساطة بل مريض، مع أمل خائب هو أن يفهمه الاسرائيليون آخر الامر ويستخلصون الاستنتاجات. والجواب مفهوم من تلقاء نفسه كثيرا وهو موجود في كلام الحكماء وكتب التاريخ. ماذا عن «أحب لأخيك كما تحب لنفسك» مثلا؟ تعالوا اذا نصوغ الجواب على صورة معلومة استخبارية بالمجان. يا موظفي «الشباك» المحترمين؛ إن الهدفين السياسيين اللذين من عملكم أن تضمنوا تحقيقهما المريح (دعم اليهود ونقض عرى الشعب الفلسطيني) ينشئان في كل لحظة آلاف الزجاجات الحارقة، وملايين الحجارة ومئات القنابل المتكتكة ومن لا يحصون من الشباب الغاضبين في الحاضر والمستقبل. اتصلت باصدقاء في غزة في مساء يوم الجمعة بعد الافطار فسكنتني صابرين قائلة: لقد اعتدنا على القصف، بيد أننا لم ننجح بعد في الاعتياد على أن نكون دجاجا في قفص».
وكان كل ابنائها بالقرب منها. وحينما بدأت تحصي انجازاتهم في الدراسة فصل ضجيج خبطة فظيعة بين كلماتها وسمعي. فقالت بصوت متهدج تعتذر عن تهدجه: قصفوا بالقرب منا. وكان ذلك في ارض مفتوحة غير بعيدة عن ساحل البحر. وكدت أسمع خفقان القلب السريع لمن قالت إنها إعتادت.

هآرتس 

 

حرره: 
م.م