وضوح الرد الإسرائيلي يستلزم وضوح الرد الفلسطيني

لا أظن أن رسالة الرد الإسرائيلي على الرسالة الفلسطينية، تستحق الانتظار أو التلصّص، لمعرفة ما تضمنته، فالعنوان مقروء، وكذلك المضامين في السياسات الإسرائيلية الممارسة على أرض الواقع، وذلك وحتى لو أن صياغة الرسالة تضمنت لغة مرنة، فهذه من قبيل التلاعب بالألفاظ ليس أكثر مع أن إسرائيل لا تحاول إخفاء قبح سياساتها، وادعاءاتها، وأهدافها ومصالحها. السياسة الإسرائيلية مقروءة عن غيب، ومع حكومة وحدة وطنية واسعة كالتي تشكلت مؤخراً، فإن الاحتمال الوحيد هو أن تذهب السياسة نحو مزيد من التطرف على التطرف القائم فعلياً.

والحقيقة أن السلطة، لم تبد تفاؤلاً إزاء ما يمكن أن تتضمنه الرسالة الإسرائيلية التي نقلها اسحق مولخو، فلقد استبقت إسرائيل الرسالة بجملة من الممارسات على صعيد الاستيطان وتهويد القدس، ما يفرغ أي عبارات منمقة من مضامينها. قبل أيام كان نتنياهو قد صرح بأنه يوافق على دولة فلسطينية لا تشبه الجبنة السويسرية، وأشغل وسائل الإعلام في تحديد معالم هذه الدولة، لكن مثل هذا الانشغال لم يكن مبرراً على الإطلاق، وما طرحه نتنياهو لا يستحق التوقف أو البحث، وأغلب الظن أنه يوجه تصريحاته للغرب الرأسمالي، الذي لا ينخذع بمثل هذه العبارات لكنه قد يتذرع بها في دعوة الفلسطينيين للصبر وإبداء المزيد من المرونة.

ثمة ثوابت في السياسة الإسرائيلية، أصبحت معروفة، ويمكن استناداً إليها معرفة المقصود بدولة نتنياهو، وأيضاً ما تتضمنه رسالته للقيادة الفلسطينية.

أولاً: إسرائيل تبني سياساتها النظرية والعملية على أساس أن الأراضي المحتلة منذ العام 1967، والتي هي موضوع التفاوض، أراض متنازع عليها، وانطلاقاً من ذلك تواصل استيطانها، معتبرة أن هذا الاستيطان شرعي وهي في ذلك تتنكر للقرارات الدولية الكثيرة التي لا تعطيها مثل هذا الحق.

ثانياً: انطلاقاً من ذلك لا تتوقف إسرائيل عن إعلان رفضها المطلق، العودة إلى حدود الرابع من حزيران 1967، وهي في أفضل الحالات، وذلك أمر غير متوقع، يمكن لإسرائيل تحت اعتبارات معينة، أن تخضع الأراضي التي تحتلها المستوطنات لعملية تبادل أراضٍ. في الحقيقة فإن إسرائيل ليست بوارد الوصول إلى مثل هذه العملية، وهي بين الحين والآخر تهدد بضم الضفة الغربية أو على الأقل بضم المناطق التي يصادرها الاستيطان.

ثالثاً: القدس بالنسبة لإسرائيل خارج الحساب، وهي خارج المفاوضات، على اعتبار أنها العاصمة الأبدية الموحدة لها. المخططات المتنوعة على أرض الواقع في القدس ترمي إلى السيطرة عليها بالكامل، وطرد واقتلاع الوجود الفلسطيني بكل أشكاله، إلى خارجها.

رابعاً: منطقة الغور التي تصل مساحتها إلى ثلث أراضي الضفة الغربية المحتلة، هي جزء من الاستراتيجية الأمنية لإسرائيل، ولذلك فإنها لن تتخلى عنها، وفي أفضل الحالات، لا تقبل بأقل من استئجارها لعشرات السنوات، بالإضافة إلى ضمانات أمنية يقدمها الجانب الفلسطيني.

وتكرر إسرائيل في هذا الصدد أن حدودها الشرقية تقف عند نهر الأردن أي أنها تخرج منطقة الغور من حسابات الدولة التي لا تشبه الجبنة السويسرية.

خامساً: ترفض إسرائيل بشكل مطلق بحث موضوع حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم، وبالنسبة لها فإن الدولة التي لا تشبه الجبنة السويسرية هي أرض كل الفلسطينيين، هذا لو قدر لمثل هذه الدولة أن ترى النور.

سادساً: تشترط إسرائيل مقابل الموافقة على دولة نتنياهو، أن يعترف الفلسطينيون بيهوديتها، ما يعني موافقتهم على شرعنة السياسات الإسرائيلية التي تنتظر الظرف المناسب للتخلص من نحو مليون ونصف المليون فلسطيني من مواطنيها.

وأخيراً فإن نتنياهو قد يكثر من الحديث عن السلام والرغبة في تحقيقه، وأن يدعو بقوة الفلسطينيين للعودة إلى طاولة المفاوضات، ولكن دون شروط مسبقة. وطبعاً هذا عدا تقيد دولة نتنياهو التي لا تشبه الجبنة السويسرية، بكل الشروط التي تجعلها، دولة خاضعة، ليست فقط منقوصة السيادة، بل هي بلا حد أدنى من شروط السيادة، ودون أظافر وأسنان.

لو أننا طبقنا هذه المفردات للسياسة الإسرائيلية، وهي ثوابت، فسيكون بوسعنا تحديد الدولة التي يتحدث عنها نتنياهو، ولا تزيد مساحتها على 42% من الضفة، الأمر الذي تحدث عنها قبله اريئيل شارون عام 2001. إذا كان هذا ما نتوقع أن تتضمنه رسالة نتنياهو، التي أكدت صحيفة "هآرتس" أنها لا تتضمن جديداً، فإن على الفلسطينيين أن يتنبهوا إلى المحاولات الإسرائيلية لاستنزاف الوقت، فبعد أن تأخرت كثيراً الرسالة الفلسطينية، تصرف الحكومة الإسرائيلية شهراً آخر حتى تقوم بالرد على الرسالة الفلسطينية.

المهم بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة أن لا يقدم الفلسطينيون على اتخاذ قرارات أو خيارات يائسة تؤدي إلى قلب الطاولة.

والحقيقة أن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية على هذا النحو الواسع والقوي في إسرائيل، يؤشر على طبيعة النوايا والأهداف الحربية الإسرائيلية أكثر مما يؤشر على حاجة نتنياهو لحكومة قوية جداً من أجل اتخاذ قرار استراتيجي بتحقيق السلام.

الوقائع المتحركة من حول إسرائيل سواء على المستوى العربي والإقليمي أو على المستوى الدولي، تترك لديها حالة من القلق، إذ لم تنفع اتفاقيات السلام التي وقعتها مع مصر والأردن، في ضمان الأمن الإسرائيلي استراتيجياً ولذلك ثمة ارتداد نحو الاعتماد على قوة إسرائيل لضمان أمنها، وهذا هو معنى ومغزى وأبعاد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.

يستطيع نتنياهو الادعاء بأنه قيصر إسرائيل، فلقد أدت سياساته إلى تغيير الخارطة السياسية، بحيث لم يعد فيها ذلك "التنوع"، ولو الوهمي بين يمين ويسار ووسط ويمين متطرف، فثمة يمين متطرف يحكم ومعارضة يمينية دينية متطرفة تقف لا حول لها ولا قوة في المعارضة.

وإدراكاً منها لهذه الحقيقة التي تتصل بالتغيرات المحتملة في الإقليم وتأثيرها على السياسات والاستراتيجيات الإسرائيلية، تبدي الولايات المتحدة بجمهورييها وديمقراطييها، استعداداً متزايداً لتبني السياسات الإسرائيلية وتوفير كل الدعم اللازم وغير اللازم لضمان تفوقها.

هذا ما فعله الكونغرس الأميركي مؤخراً، والذي أصدر تشريعاً، يلزم الإدارة، بتقديم كل الدعم المادي والمعنوي لإسرائيل، وتوفير كل ما يضمن تفوقها النوعي على كل من حولها. إذا كان كل ذلك واضحاً لكل الفلسطينيين فإن السؤال هو ما الذي يترتب عليهم أن يفعلوه اليوم قبل الغد؟