"عمر".. دراما فلسطينية بعيون كندية

رام الله: في الوقت الذي حصد الفيلم الفلسطيني «عمر» خيبة مريرة لخروجه من أوسكار أفضل فيلم أجنبي من دون فوز، كانت عروضه في عدد من صالات مونتريال الكندية وغيرها تشكل نوعاً من التعويض المعنوي له. و «عمر» لمخرجه هاني أبو أسعد. هو فيلم من النوع الدرامي الطويل، مدته 1,37 دقيقة، وناطق بالعربية ومترجم إلى العبرية والإنكليزية. أما الأدوار الرئيسية فيؤديها آدم بكري (عمر) بطل الفيلم، وسامر بشارات (أمجد) وأياد حوراني (طارق).

تظهر وقائع الفيلم أن هؤلاء الأشـخاص الثلاثة «المقاومون في سبيل الحرية» كما يطلقون علــــى أنفسهم، يجتمعون ويتدربون على تنفيذ عملية عسكرية تستهدف أحد جنود الاحتلال الإسرائيلي. وبعد عدة أيام يقع عمر - عامل فلسطيني يتسلق يومياً جدار الفصل بين الضفة الغربية والكيان الإسرائيلي ويقـفز خلفه على رغم تعرضه لقنص العدو، لرؤية ناديا (ليم لوباني) التي يحبها-. إلا أن عمر يقع في قبضة الجيش الإسرائيلي، ويودع السجن ويتعرض لتعذيب قاس شأن أي مقاوم يقع في أسر العدو. ويستخدم ضابط السجن رامي (وليد زعيتر) مع عمر لعبة الترغيب والترهيب والموت والحياة. ويساومه على إطلاق سراحه مقابل تعامله مع الاستخبارات الإسرائيلية وكشـف أعضاء الخلية الفلسطينية الــتي ينتمي إليها، وإن رفض، فاعتقال حبيبته وسجنه مدى الحياة.

خلطة درامية

اجتذب «عمر» في عروضه الكندية وربما أيضاً في بقية عروضه الأميركية الشمالية، جمهوراً كبيراً من الناشطين الفلسطينيين والجمهور العادي. فرأى بعضهم أن الفيلم قد سلط الضوء على عمق التناقضات الاجتماعية والسياسية والنفسية لدى طرفي الصراع الفلسطيني والإسرائيلي، كاشفاً أن القضية الفلسطينية لم تخب جذوتها في ذاكرة الفلسطينيين. فهي ما زالت متجذرة في كل بيت، وحية في كل قلب. وأن جدار العزل بطوله وارتفاعه بات من أهم جدرانيات الإدانة العالمية للاحتلال حسب ما نقلته صحيفة الحياة.

أما البعض الآخر، فاعتقد أنه مجرد عبارة عن قصيدة تضج بمشاعر القلق والخوف والعــمالة والشك والخيانة لرفاق القضية والصداقة والحب والوطن. وأكد أنه لم يكن يتوقع أن يستجيب البطل «عمر» لإغراءات العدو ويخضع لمساومة ساقطة لا يمكن تبريرها وتعميمها في ثقافة المقاومة.

 

أما الرؤية الكندية غير الرسمية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي عموماً، وما يكشف عنه الفيلم خصوصاً، فتبدو إجمالا مناصرة لعدالة القضية الفلسطينية وجوانبها الإنسانية. فالناقد السينمائي اريك مورو يختصر المحاور الدرامية المقاومة للاحتلال الإسرائيلي بعبارة «الموت والحياة». ويرى أن الفيلم مثلاً يكشف بصلافة عن التلاعب بمشاعر المعتقلين الفلسطينيين في أشد لحظات التعذيب والتنكيل بهم، ويحاول تحويلهم إلى مجرد عملاء للاحتلال وخونة لقضيتهم. وفي السياق ذاته يعتقد الكاتب مارك كاسيفي أن الفيلم كشف كم أن الاحتلال تجاوز كل المقاييس الإنسانية، فعبث بالمشاعر العاطفية للإنسان الفلسطيني ولوث الحب في مستنقع العمالة والخيانة. ويرى أن إقحام الحب في لعبة الحرب، كان عملاً «جريئاً ومغامرة محفوفة بالاتهامات» خلافاً لكثير من الأفلام الفلسطينية التي كانت تكتفي عادة بإظهار الجانب البطولي كقضية وطنية مركزية في أدبيات المقاومة.

ومن جهتها تلخص صحيفة «لا برس» الكندية مضمون الفيلم الفلسطيني بموقف لافت جاء فيه أن «عمر» هو أقرب إلى تراجيديا يونانية حقيقية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأن قوته الدرامية تكمن في إثارته وإحاطته الواعية بعمق الثنائيات المتناقضة في المشاعر الإنسانية التي تلامس الحب والحسد، والخيانة والتضحية، والثأر والشرف». وعلى رغم قوة وأهمية هذا الجانب الدرامي في السينما العالمية، شككت الصحيفة منذ البداية في إمكان حصول «عمر» كما يتوقع البعض، على جائزة الأوسكار في ظل قوتين عالميتين إحداهما اللوبي اليهودي من جهة وأميركا من جهة ثانية.

هكذا هو المحور الدرامي العام للفيلم ولكننا في حقيقة الأمر أمام كم من الحكايات بل نحن أمام استعراض للحالة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي حيث يبدو الحب عملة صعبة في هذا الزمن الأرعن، حيث الاحتلال والهيمنة وأيضاً الممارسات الداخلية من قبل الفصائل السياسية والدينية التي تدير الضفة والقطاع. فيلم يحمل الكثير من الإشارات والدلالات الصريح والواضحة والتي تقدم الحال الفلسطينية بكل شفافية ووضوح. كل شيء الحياة اليومية والمدارس والأسواق والممارسات والإيقاع المعاش لتلك الشخصيات بأدق تفاصيلها وظروفها.

وكمــــا يذهب هاني أبو أسعد إلى البطولة والتحدي فانه يـــذهـــب إلى الخيانة ويقدم عدداً مــــن النماذج من بينهم أمجد الذي دمــــر كل شيء من أجل أن ينال بنـــادية وأيضاً ذاك الذي وشى بــهــم للمرة الأولى مقابل الحصول علـــى فيزا إلى نيوزيلندا وغـــيرها من الحكايات التي تأتي حافلة بالصور والمشهديات الدرامية المقرونة بالسخرية الــــعالية، كما يبرز الفيلم أشخاصاً لم يكن مــتوقع رؤيتهم في مشاهد الكذب والخــداع والغش والخيانة للقضيـــة، أما المحاور الدرامية فتستعــــرض الحالة الفلسطينية تحت الاحتـــلال بكل ما فيها من مقومات القوة والضعف. فالفيلم يمثل وجهـــة النظـــر الفلسطينية في مقاومته للاحتــلال القـــائم على اغتصاب الأرض والقمع والإذلال.

حرره: 
م . ع