ميس دروزة: نعود إلى فلسطين بمخيلتنا كي نوثق حقنا

بقلم: زهرة مرعي

بيروت: كان للفيلم الفلسطيني حضوره المميز في اسبوع آفاق السينمائي في بيروت والممتد بين 4 و11 آذار/ مارس الحالي. فيلم ميس دروزة كان الافتتاح لهذه الفعالية الثقافية المميزة التي نظمها الصندوق العربي للثقافة والفنون، حيث فاق الحضور حجم الصالة الفسيحة. وجاءت ردة الفعل الايجابية حيال العرض مرحبة جداً، وبحضور المخرجة.
في ‘حبيبي بيستناني عند البحر’ وعلى مدى 80 دقيقة قدمت ميس دروزة فيلمها الوثائقي بأسلوب شاعري. روت المخرجة حكايتها حين قامت للمرة الأولى برحلة العودة إلى وطنها فلسطين. تغادر واقع عزلتها وتلحق بحبيبها حسن الذي لم تلتقه أبداً. في أرض مجزّأة مغمورة بسنوات طويلة من النضال، وجدت ميس حبها الوادع ينتظرها في ‘وطن ‘ محمي ومتماسك بفضل فلسطينيي اليوم. أولئك الفلسطينيون الذين تصدّوا لواقعهم اليومي دون اكتراث لحاجاتهم الشخصية ومن خلال التشبث بأحلامهم.
ميس دروزة قدمت فيلمها هذا تكريما لحسن حوراني، الفنان الفلسطيني الذي حلّق وارتقى بمخيلته فوق الاحتلال قبل موته المأساوي غرقا في بحر يافا الممنوع عليه عام 2030. طوال الفيلم، يحرض عالما الحلم والواقع واحدهما الآخر على إثارة تساؤلات من قبيل: كيف يمكننا أن نعود إلى مكان لا وجود له إلا في مخيلتنا؟ كيف يمكننا التشبث بالحياة في الوقت الذي نجد انفسنا فيه محاطين بهذا الكم من الموت؟
كيف يمكننا مواصلة الإيمان بحلم ما، بينما العالم من حولنا يعيش واقعا آخر؟ وكيف لنا أن نمتلك روايتنا عن الحقيقة حين يكون التاريخ قد سلبنا إيّاها؟
في هذا الوثائقي قدمت ميس دروزة القضية الفلسطينية من خلال ناسها في الداخل وفي الشتات، وكانت المسافة بين النموذجين شاسعة. في الشتات الشباب محبطون يبحثون عن متنفس خارج واقع المخيمات وخارج حدود الوطن العربي. وفي القدس يقول لها الشاب: ‘الاحتلال بيهدم عشوا بإيدو’. ويتهكم آخر من قول الصهاينة بأن القدس هي المدينة التي أعطاهم إياها الله، ليعود ويقول: الحياة الأصلية هي إحنا.
هم شبان ثلاثة بين العشرينيات ومقتبل الثلاثينيات جلسوا ارضاً في القدس والكاميرا تحاورهم. وجدوا لدى الصهيوني حلماً محطماً عندما قارنوه بحلمهم. ‘حلمنا واقعي..الحلم مفتح، مغمض، ميت، عايش معك، عمرو أطول من عمرك’. في باب العمود في القدس وفي الساعة الرابعة صباحاً ‘أشعر بأني ملك القدس′. يقولها الشاب بالعربية والانكليزية.
مشت ميس دروزة قرب الجدار، وزارت عدستها قرية بلعين، ووصلت إلى بحر يافا، وبقي حسن حبيباً لا تلتقيه، فماذا قالت في حوارها مع ‘القدس العربي’:
بين الرمزية والواقعية كان المسار وصولاً إلى بحر فلسطين. في فلسطين كيف وجدت حسن؟
ـ حسن موجود في كافة التفاصيل، وفي الصورة التي نختار تصويب العين عليها. العالم الجميل الذي قدمه الفيلم موجود في الواقع. فكرة الفيلم هي في ايجاد كل منا ذاته داخل الواقع. وهذا ما اراده حسن. من يعيش في فلسطين يعرف أن الشخصيات التي قدمها الفيلم تعبر عن ناس فلسطين بأكثريتهم الساحقة. ولأن ناس فلسطين على هذا الحال القضية مستمرة. المختلف في ‘حبيبي بيستناني عند البحر’ أننا رأينا الفلسطيني بخلاف الصورة التي روجت عنه، فهو لم يكن مكسوراً.
بدأ فيلمك من مخيم في الشام ومن ثم إلى فلسطين حيث شاع الأمل والصمود. هل وصلت إلى شبان القدس المميزون بالمصادفة؟
ـ ابداً. في الحياة أحكي عن المصادفة في عدم وجود هذه الشخصيات. المصادفة هي في لقاء هذه الشخصيات عبر الحواجز والحدود والممنوع والسجون. في الحياة الطبيعية أن نعيش مع هؤلاء الناس. وهذا الخيار ليس بيدنا. وهكذا تكون الصدفة في اننا لا نملك مساحة التعرف على هؤلاء الناس.
في تفسير وتعليل الحلم كنا مع مسار فيلم تفاؤلي مزهر وربيعي. هل هي رؤيتك منذ بدأت رسم مسار الكاميرا؟
ـ انطلقت فكرة الفيلم من كتاب حسن حوارني الذي حمل عنوان ‘حسن في كل مكان’. حسن انسان عاش تحت الاحتلال، خلال وجوده في غرفته واستخدامه لعقله تحدى الاحتلال بإشهار حقه بمكان جميل. في فلسطين من حق الفلسطيني أن يتنفس، أن يحب، وحقه بالمساحة. احسست بدافع سياسي لتقديم فيلم من هذا النوع بعد أن وجدت في كل من يحيط بي من بشر حاجة لأن نرى ذاتنا بصورة غير كاذبة، بل بصورة حقيقية. هدف الفيلم أن تكون للناس حرية النفس، وحرية الاحساس. أن أقدم هذا الفيلم فهذا يعني اعادة ربط الناس وذاتي بقضيتي، ووفق الطريقة التي تشبهني.
هل فعلاً سيقلع الصهاينة عن صهيونيتهم كما قالت ليلى الفلسطينية الكندية؟
ـ ما من أحد لديه اثبات بأن ذلك سيحصل غداً وفي هذه الساعة المحددة. في دولتهم هناك اختلاف. كنا في ما مضى مع فتاة عمرها ثماني سنوات اسمها غولدا مائير وكانت تجبي المال لدولة اسرائيل. ليدخلوا الشباب إلى الجيش الآن يلزمهم تقديم الكثير من المغريات لهم. يمشي الجنود في القدس جماعات وكأنهم في رحلة كشّاف. وفي فلسطين أخبرني نائل ‘شخصية من الفيلم’ أن الدبابة الاسرائيلية مزودة بمكيف. الاجيال الصهيونية تختلف. شخصياً توقفت عند قول ليلى ‘شخصية من الفيلم’ الصهيونية انتهت، وأعود لما هو قائم في واقعنا، وكأنه بث الحياة في الفكر الصهيوني الطائفي.
حسن في كل مكان وفلسطين في كل مكان فهل هذا ما تريد ايصاله ميس دروزة للمتلقي؟
ـ حبيب قلبي حسن هو في كل مكان. في الفيلم فلسطين هي هذا المكان المفقود، إنما الموجود داخل الجميع. العدالة المفقودة في فلسطين تترك أثرها على ما هو موجود في بيروت، الشام أو غيرها. نحب شباب القدس لتلاصقهم مع العدو، ولمواجهتهم له في كل يوم.
شبان القدس الثلاثة نموذج مطلوب تعميمه لمحاربة الاحباط. فكيف لهذا الفيلم أن يجول حيث يجب؟
ـ مشكلتي أني اهتم أيضاً بالعروض وتسويق الفيلم، فلا موزع له. سأعمل لعرض الفيلم في المخيمات بدءاً من عين الحلوة. كما يعنيني أن يُعرض في كل مكان. لكن التوزيع يلزمه مجهود.
حسن يستحق التعب لأجله؟
ـ طبعاً. الغريب الذي مسني في حسن أن احداهن سمعت بالفيلم ولم تتمكن من حضوره في عرض عمّان فقالت لي عبر الفايسبوك: حسن صديقي. سألتها إن كانت قد إلتقته فعلاً؟ فقالت لا. هذا غريب فليس كل من يقدم فناً نقول عنه صديقنا. فما معنى أن يقال عن حسن حوراني صديق؟ فكان تفسير تلك المرأة أنها أحبت الأعمال الفنية لحسن واعتبرته صديقها، وأنها في بحث عن اعماله منذ ذلك اليوم.

القدس العربي