إعلان الدوحة.. اغتاله التشدّد 'الحمساوي'

أعلان الدوحة وُلِد ميتاً، بتوقيع قادة «حماس» في قطاع غزة، الذين أعلنوا ـ في حينه ـ أنه غير مقبول ولا يعبّر عن إرادة مؤسسات حركتهم، وأن «حماس» لن تقبل بحكومة تحت إطار برنامج الرئيس!! ومجموعة أخرى من اللاءات التي شكّلت ضربة قاضيةً ومميتةً للإعلان. وعلى الرغم من ذلك، فقد حاولت القيادة الفلسطينية استثمار كل نقطة مضيئة في مواقف «حماس»، من أجل المضي قدماً في تنفيذ اتفاق المصالحة.. وربما كان لقاء القاهرة محاولةً أخرى لتوجيه صدمة كهربائية للإعلان المسجّى في مشرحة المكتب السياسي لـ»حماس»!! في القاهرة، حاول الرئيس ـ وبكلّ قوّة ـ التمسك بالشرعيات، ونحن هنا نتحدث عن شرعية خالد مشعل كرئيس للمكتب السياسي... وكان ذلك واضحاً في حديثه، قبل أيام، لصحيفة «المصري اليوم» عندما سُئل حول مقدرة مشعل على تمرير إعلان الدوحة واتفاق القاهرة وتنفيذهما.. ومواقف أقطاب «حماس» في غزة.. الذين أعلنوا ـ وبصراحة ـ أن خالد مشعل ليس لديه الحق في التوقيع أو التنفيذ دون موافقة قيادات الحركة الآخرين.. قال الرئيس: «نحن مع الشرعية ولا نلتفت إلى ما يقوله الآخرون، وهذا لا يعنينا في شيء». ولكن، في القاهرة، بدا خالد مشعل مغلوباً على أمره.. غير قادر على تمرير ما وقّع عليه.. وأكثر من ذلك، فقد طلب من الرئيس الالتقاء بقادة «حماس» القادمين من غزة، وعلى رأسهم رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية، من أجل إقناعهم بتغيير مواقفهم بشأن اتفاق المصالحة وتطبيقه عملياً.. أي إحداث التغييرات المطلوبة على أرض الواقع.. بل إن خالد مشعل، أيضاً، طلب من ممثلي كتل وقوى مشاركة في لقاء القاهرة لعب هذا الدور. ربما، اليوم، أصبح واضحاً للذين ظلوا يرفضون مبدأ وجود خلافات عميقة داخل «حماس» ـ على قاعدة أن ما يثار هو ضمن نظرية المؤامرة ـ أن هذا الأمر غير صحيح، وأن الخلافات أعمق بكثير مما نتوقع.. وقد نصل إلى لحظة الحقيقة، وهي أن كل الاتفاقات التي وقّعها مشعل لا تساوي ثمن الحبر الذي وُقِّعت به؟!! «حماس» حاولت، من خلال إعلان الدوحة، تشكيل حكومة على مقاسها، ربما لمساعدتها في رفع الحصار من جهة، وفي إعادة تعمير القطاع من خلال إدخال الأموال والمساعدات، دون أن يكون هناك هدف آخر أبعد من ذلك.. مع الإصرار على أن تكون هذه الحكومة ظلاً للحركة.. أي، بمعنى آخر؛ «حمساوية خفيّة».. أما الرئيس، فكان يريدها حكومة تكنوقراط أمام هدف واحد؛ وهو إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، من أجل تثبيت الشرعيات الفلسطينية والانطلاق نحو خريطة طريق لكيفية التعامل مع تناقضنا الرئيس مع الاحتلال، ولتجنيب الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية كارثة ينسج خيوطها الاحتلال والإرهاب الاستيطاني منذ سنوات، مستغلاً الضعف العربي والأحداث الجارية في المنطقة، وعلى رأس ذلك الانقسام الفلسطيني. وعندما تأكدت «حماس» من أن الانتخابات هي الهدف، لم تسمح حتى الآن للجنة الانتخابات المركزية ـ على الرغم من موافقتها على إعادة تشكيلها ـ بأن تبدأ عملها في القطاع، من خلال تحديث السجل الانتخابي.. وهنا نعود لمقولة «حماس وعود الثقاب»، أي استخدام الانتخابات لمرّة واحدة.. للوصول إلى الهدف؟!! ولعلّ تجربة لجنة الحريات، أيضاً، فيها عبرة أخرى؛ فكلّ ما طلبَتْهُ اللجنة في الضفة الغربية، نُفِّذ بمجمله، وإنْ كان هناك تباطؤ في بعض الملفات.. ولكن، في قطاع غزة، لم تتمكن اللجنة من التقدم خطوة واحدة نحو الأمام!. ومن سخرية القول ما تتناقله الألسُن؛ «عندما لا تتمكن اللجنة من إعادة توزيع صحيفة في القطاع، فكيف ستتمكن من إنهاء الانقسام»؟!. اليوم، وللأسف، نستطيع التأكيد أن الجناح المتشدد والمهيمن في «حماس»، قد انتصر في إعدام فرصة ثمينة للبدء في تطبيق اتفاق المصالحة وتفعيل المنظمة، أو تحديثها، كما يرغب البعض. هذا الجناح المرتبط بمصالح سياسية واقتصادية ـ والذي أوجد وضعاً اجتماعياً معقداً في القطاع ـ متمترس حول مصالحه ومواقفه..!!. ولعلّ هناك تساؤلاً كبيراً: كيف يمكن، مثلاً، لإسماعيل هنية أن يقبل باتفاقات يعتقد أنه ليس بحاجة إليها.. وربما كانت جولتاه الأخيرتان في عددٍ من العواصم العربية والشرق أوسطية، قد عاظمت لديه شعور السيطرة.. فلماذا يتنازل وهذا «المد الإسلاموي» هو ظهير مساند لـ»حماس»..؟!! لو كانت المعادلة مقلوبة، ربما لتغيّر الوضع!!. أخبار القاهرة التي طغت عليها السوداوية.. لخّصها الجانب المصري ممثلاً بمدير المخابرات العامة، الذي جاء حديثه هذه المرّة تحذيرياً، وبلهجة واضحة وحازمة؛ الوضع القائم، إنْ ظلّ، ستكون آثاره خطيرة جداً على القضية الفلسطينية..!! ولكن، هل هذا سيقنع أغنياء الحرب والانقسام في غزة