ليس الخلاف على الحكومة المؤقتة هو جوهر المشكلة في "حماس"
ليس صحيحاً تضخيم الخلافات التي تظهر إلى السطح بين قيادات حركة حماس، والتسرّع في الحكم عليها وعلى تأثيراتها، بالذات لجهة وحدة الحركة.
ولا يجوز في المقابل تجاهل هذه الخلافات أو تبسيطها واعتبارها خلافاً في الاجتهاد أو مجرد تباين في الآراء أو حواراً ديمقراطياً علنياً.
الخلافات الكامنة داخل الحركة ليست وليدة مسار المصالحة، وإنما تتفاعل داخل صفوفها منذ فترة من الزمن. وليس التجاذب حول قيادة الداخل وقيادة الخارج وأحقيّة كل منهما في القرار أو حصته فيه أكثر من المظهر الخارجي لتلك الخلافات.
ما فعله مسار المصالحة، بما يتطلبه من مواقف وما يفرضه من استحقاقات وتنازلات متبادلة، أنه دفع بتلك الخلافات إلى العلن.
فالمصالحة الفلسطينية بالنسبة إلى حركة حماس لم تعد تنحصر في تقاسم سلطة موحدة، قائمة أو ستقوم، وحصة كل طرف فيها وفي منافعها، بل أصبحت تتداخل وتفرض التعامل مع عنوانين مفصليين:
الأول ـ برنامجها السياسي.
الثاني ـ بقاء أو زوال سلطتها المنفردة في قطاع غزة.
أما بالنسبة إلى العنوان الأول، برنامجها السياسي، فقد حازت الحركة تأييد الجماهير الواسع لها بناءً على برنامجها السياسي المقاوم، وأساسه المقاومة المسلحة.
وأوصلها ذلك التأييد إلى الأغلبية البرلمانية في انتخابات نزيهة، وإلى الحكم المنفرد في غزة.
وكأي حركة سياسية، فقد وصلت "حماس" إلى مرحلة من التطور وتغيّر الظروف باتت تفرض عليها التصدي الجاد لمهمة استنباط تكتيك يتعامل مع الظروف والمعطيات الجديدة، ويتعامل مع تطلعها لنيل الاعتراف بها والتعامل معها كقوة سياسية أساسية في المعادلة الفلسطينية، ويحافظ في الوقت نفسه على برنامجها السياسي المقاوم. وكانت اتفاقات التهدئة طويلة الأجل مع العدو الصهيوني، وتحكمها، وبالقوة أحياناً، بالعمليات العسكرية للتنظيمات الأخرى ضده، بما يعنيه ذلك من تجميد ممارسة المقاومة المسلحة طوال فترات التهدئة على الأقل دون إسقاطها من برنامجها، كان ذلك ملمحاً أساسياً من ذلك التكتيك.
إن الدخول الجاد في المصالحة، يعني على المستوى السياسي اقتراب حماس إلى درجة كبيرة من البرنامج السياسي للسلطة الوطنية الفلسطينية، إن لم نقل الانخراط التام فيه. وهو البرنامج القائم على أساس الحل السلمي المعترف بدولة إسرائيل والساعي في أقصى طموحه إلى دولة فلسطينية على حدود 67. وهو ما يتعارض مع برنامج حماس، ولذلك كانت ترفضه. لكن تصريحات من بعض قيادييها خرجت لتعلن استعدادها للتعاطي معه.
ثم جاء قبول حماس بترؤس الرئيس أبو مازن الحكومة الانتقالية الموحدة ليؤكّد اقترابها الشديد من برنامج السلطة أو إعلان الاستعداد لقبوله والتعاطي معه، مهما كانت التصريحات التي تحاول التقليل من هذا الفهم أو إعطاءه تفسيرات لا منطق لها.
وأما بالنسبة للعنوان الثاني، سلطتها المنفردة في غزة. فالأمر ليس أقل مدعاةً للخلاف. فمن الصعب على قطاع واسع ومتنفذ في حماس التنازل عن السلطة المنفردة في غزة حتى وإن كان ذلك لصالح حكومة موحدة تجمع شتات الوطن وتلم شمل أهله. اللهم إلاّ إذا حافظ أي اتفاق مصالحة على استمرار تحكمها الواقعي في القطاع وهيمنتها على مقدراته.
فبالإضافة إلى المكتسبات السلطوية المهمة والكثيرة التي راكمتها الحركة خلال ما يقرب من 6 سنوات من انفرادها في السلطة والأجهزة القوية التي بنتها بعقيدة الولاء لها ولفكرها، فقد نشأت مصالح حقيقية ومتشعبة لقطاعات واسعة من حماس أو من القريبين منها والمحسوبين عليها، وبنفوذ سلطتها. كما نشأت معها طموحات شخصية زعامية سلطوية.
وما يزيد الأمر صعوبة أن حركة حماس تعيش في الأشهر الأخيرة، وكنتيجة للقاءات المصالحة وإعلاناتها والتصريحات التي صدرت بنتيجتها، ولمتغيرات أخرى عربية وإقليمية، حالة من فك العزلة ورفع الحظر السياسي عنها. وما جولات الأخ هنية على العديد من الدول العربية والإقليمية واستقباله فيها استقبالات رسمية من أعلى مستوى دبلوماسي بصفته رئيساً شرعياً للوزراء وليس كقائد في حماس، (بما يثير سؤالاً موضوعياً حول وحدة الشرعية الفلسطينية ووحدة تمثيلها)، إلا تعبير أول عن هذه الحالة. وما زيارة الأخ مشعل إلى الأردن واستقباله على أعلى المستويات إلا تعبير آخر.
هذان العاملان يشكلان الأساس الموضوعي لحالة الخلافات في صفوف حماس والقيادية منها بالذات. وليس تعثر المصالحة بتفاصيلها المختلفة.
إن ثقل وملموسية العامل الثاني هو ما يجعل الخلاف بين قيادتي الداخل والخارج يبدو على أنه المظهر الرئيس للخلاف.
إن توسع الخلافات في حركة حماس أو حصرها وإنهائها أو غلبة تيار على آخر، سوف يعتمد بدرجة ما، إضافة إلى التفاعلات الداخلية، على مآل الوضع في سورية، وتالياً مصير العلاقة مع إيران، كونها داعماً أساسياً للحركة، وممولها الأول.
ولكنه سيعتمد بالدرجة الأولى على موقف حركة الإخوان المسلمين العربية، وبالذات المصرية (الحركة الأم) والدور الذي ستلعبه وبأي اتجاه سترمي بثقلها. ومؤشرات هذا الموقف تتجه نحو الاعتدال والمرونة والواقعية السياسية.