قطر:الدور.اللغز .!! بقلم:عماد عفانة
الناظر إلى الساحة الدولية في الآونة الأخيرة يرى وبوضوح جهود متنامية ونفوذ يتمدد لهذه الإمارة الخليجية البدوية على حافة الخليج العربي ذات النصف مليون نسمة والتي لم يتجاوز عمرها الـ42 عاما منذ الاستقلال.
فلا يقتصر دور هذه الإمارة على جانب واحد من جوانب الاهتمام العالمي فهي تخوض كافة المجالات وتحاول لعلب مختلف الأدوار على حساب الأدوار التي غابت عنها دول عربية كبرى مثل مصر والمملكة السعودية.
وبالتوازي مع معالم النهضة العملية والاقتصادية والعمرانية التي تتميز بها قطر التي تحاول صنع إمبراطورية مالية اقتصادية ترتكز لمد اذرعها الأخطبوطية في مختلف المجالات:
- إعلاميا:
استطاعت قطر بناء إمبراطورية إعلامية على أنقاض كوادر هيئة الإذاعة البريطانية، واتسمت في بداياتها بالمهنية والاحترافية وعدم الانحياز، لتنتقل فيما بعد من ناقل للحدث إلى صانع له كصناعة الثورات العربية من خلال سلسلة طويلة من التمهيد والتركيز والتأليب والتهيئة وصولا للتحريض المباشر وغير المباشر ثم التهويل وصولا إلى قلب أنظمة وإسقاط زعماء طال بقاؤهم.
- رياضياً:
حيث استضافة دورة الألعاب الآسيوية عام 2006، ثم دورة الألعاب العربية، ثم فازت باستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2022 ، وها هي تستعد للمنافسة على استضافة دورة الألعاب الأولمبية عام 2020.
- علمياً:
وفي هذا الإطار عمدت لبناء صروح علمية كبيرة واستقدمت فروع للجامعات الكبرى، وتعاقدت مع كفاءات علمية كبيرة، وفتحت أبواب جامعاتها للطلاب الفلسطينيين وربما غيرهم لتصنع من نفسها قبلة علمية قادرة على المنافسة.
- عسكرياً :
حيث تمكنت من سلب لب الاهتمام العسكري الأمريكي بإقامة أكبر قاعدة أمريكية - السيلية- على الأراضي الخليجية لتقود منها الحرب على العراق وتواصل استعمارها للعالم العربي والإسلامي.
- اقتصادياً:
شهدت قطر في الاونة الاخيرة توسيع ضخم لبنية البلاد الأساسية وخصصت استثمارات كبيرة في الخارج، حيث خصصت الحكومة 40% من ميزانيتها حتى عام 2016 لمشروعات البنية الأساسية.
وأنفق صندوق الثروة السيادي القطري الذي تقدر قيمة أصوله بنحو 70 مليار دولار نحو 20 مليار دولار لشراء حصص في شركتي فولكس فاجن وبورشه الألمانيتين لصناعة السيارات والبنك الزراعي الصيني وبنك سانتاندر البرازيل وشركة إيبردرولا الإسبانية للمرافق وشركة هوختيف الألمانية للبناء.
كما اشترى الصندوق متجر هارودز الفاخر في لندن وفريقين أوروبيين لكرة القدم.
وتمتد طموحات قطر بدرجة كبيرة إلى مجال الرياضة. فعلاوة على فوزها باستضافة كأس العالم لكرة القدم 2022 .
وتحظى قطر بمستوى معيشي هو الأعلى في العالم حيث يقدر نصيب الفرد من الدخل في قطر بنحو 90149$.
- سياسياً:
وذلك بلعبها لدور الوساطة في أكثر من قضية دولية وإقليمية، فعلى سبيل المثال فقط اضطلعت مؤخرا بدور بارز في فرض العزلة على سوريا .
دعمت الثورة الشعبية عسكريا في ليبيا.
لعبت دورا في المصالحة السودانية في دار فور وجنوب السودان.
ساهمت في إقناع زعماء الطوائف في لبنان بإبرام اتفاق سياسي نجح على حساب أدوار أخرى فاشلة للجامعة العربية والأمم المتحدة.
رعت أكثرمن مرة حوارات فلسطينية فلسطينية ووقعت على أراضيها اتفاقات بينية.
وكان دافع قطر للسعي لاحتلال بؤرة الضوء في السنوات العشر الماضية رغبة في تمييز نفسها عن جيرانها دول الخليج العربية خصوصا السعودية التي شهدت العقود الماضية خلافات شديدة من حين لآخر بينها وبين الدوحة.
قد يعتبر البعض أن دور قطر يثير الدهشة والإعجاب، لكنه في الحقيقة فانه يثير حولها المخاطر حيث تتعمد قطر دس أنفها السياسي في الخلافات الكبيرة بحيث تأخذ على عاتقها لعب أدوار قد لا تستطيع القيام بها سوى دول كبرى أو محاور دولية بأكملها، حيث يمكن أن ينطبق عليها المثل الشعبي " جاؤوا ليحذوا الفيل فمد الفار رجله"
صحيح أن قطر دولة صغيرة جغرافيا ولكنها قوية اقتصاديا وثقيلة سياسيا توظف بنجاح هذه القوة وهذا الثقل الاقتصادي والسياسي في احتلال المساحات الشاغرة في المشاكل الدولية والإقليمية لتقوم بدور بارز فيها، وهو دور قد يحسب لها وقد يحسب عليها، وقد يؤدي إلى شكرها كما قد يؤدي إلى النقمة عليها أو قد يجر عليها العداوات.
- ومن أسباب هذه النقمة:
- ارتباطها ارتباطا وثيقا سياسيا وعسكريا مع الولايات المتحدة ففيها أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط.
- اتهامها بأنها الذراع الأمريكية الضاربة لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي يستهدف إعادة تقسيم المنطقة استعماريا وطائفيا بإسقاط أنظمة وإعادة تقسم أخرى وتوليد أخرى على أسس طائفية وإثنية.
- إصرارها على مواصلة الارتباط بعلاقات حميمية غير رسمية مع إسرائيل لدرجة فتح مكتب تجاري لإسرائيل في الدوحة، ولدرجة المشاركة المستمرة في مؤتمر هرتسيليا الذي يبحث في مستقبل إسرائيل وسبل تأمينه.
- رغم ذلك فقطر تصر على الجمع بين المتناقضات:
- ففي حين تسالم إسرائيل وتنسج معها علاقات تحالف لا يعرف مداها، ها هي تمد يدها لحماس وتستضيف رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل ورئيس حكومتها في غزة إسماعيل هنية ويستضيف أميرها نجل هنية في رحلة علاج طويلة، وتعد بإعادة اعمار غزة التي دمرتها إسرائيل.
- وفي ذات الوقت تنسج علاقات صداقة مع إيران العدو اللدود للولايات المتحدة وإسرائيل.
- وتحاور طالبان التي جردت أمريكا لحربها جيشا جراراً منذ أكثر من عشر سنوات دامية، لدرجة إقناعها بفتح مكتب تمثيل لها في الدوحة.
- وفي الوقت الذي اصطفت فيه دول الخليج في محور الاعتلال العربي حرصت قطر على نسج علاقات مع كل من حزب الله وسوريا كقطبين من محور الممانعة فيما تعمل قطر الآن على إسقاط بشارها.
- تتخندق في مجلس التعاون الخليجي مع السعودية والبحرين ولا تتورع عن خلق المشاكل لهم عبر الضخ الإعلامي المشبوه .
- فهل يمكن لنا أن نعتبر أن :
- إما قطر تحاول أن تنافس إسرائيل كي تكون قاعدة أمريكا المتقدمة في المنطقة العربية .
- أو أن قطر تحاول أن تكون عراب أمريكا السياسي لتمريرها في المنطقة لتكون في حالة تكامل مع القاعدة الأمريكية المتقدمة- اسرئيل- للتعويض عن الدور الذي كانت تلعبه كل مصر والسعودية.
رغم كل ما تقدم ورغم كل ما يقال عن نوايا قطر الحسنة تجاه حرصها على نشر قيم الحرية والعدالة والديمقراطية، فإنها لن تستطيع طمس تلك الصورة السيئة التي تظهر أن النظام الحالي في قطر وصل إلى سدة الحكم عن طريق انقلاب غير شرعي إذ نحى الابن أباه عن الكرسي العرش بصورة تجعل المرء يتساءل كيف تجرؤ قطر على المناداة بالديمقراطية وحاكمها نفسه وصل إلى الحكم بطريقة غير شرعية..!!
كيف تزعم قطر أنها تتوخى الحرية لبعض الدول وهي نفسها أرضها مستباحة من قبل أمريكا بسبب التواجد العسكري الأمريكي في قطر.
كيف تزعم قطر أنها ذات توجه قومي عروبي وتدخل في ذات الوقت في تحالف غير معلن مع أمريكا وإسرائيل.
فهل ستبقى النوايا والسلوك القطري لغزاً محيرا.!!.
أم انه لا محالة سيذوب الثلج ويبان المرج..!!.
صحفي وباحث سياسي