ابو سرية:غزة تعترض طريق الدوحة !

اتفاق كل من الرئيس محمود عباس والأخ خالد مشعل، ضمن إعلان الدوحة، على أن يتولّى الرئيس شخصياً رئاسة حكومة السلطة، خلال المرحلة الانتقالية القادمة، إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية والعامة، التي من شأنها أن تضع حداّ للانقسام، أزال عملياً العقبة الرئيسية التي كانت تحول دون تنفيذ اتفاق المصالحة الموقع بين الطرفين في الرابع من أيار من العام الماضي في القاهرة، لكن التجربة علّمت الفلسطينيين أن لا يتفاءلوا كثيراً، ذلك أنه بين الاتفاق على الورق، وتنفيذه في الواقع، هناك عقبات كثيرة، إن لم تجعل من الاتفاق حبراً على ورق، كمثل ما سبقه من اتفاقات، فإنها ستأخذ وقتاً، على الأغلب، أنه سيتجاوز الموعد المحدد في اتفاق المصالحة بالقاهرة لإجراء الانتخابات، بعد أقل من ثلاثة شهور من الآن، أي في الرابع من أيار القادم.

إدراكاً من الرجلين لكل العقبات التي تقف في طريق إعلان الدوحة، ركزا في إعلانهما على أن مهمة حكومة التوافق محصورة في التحضير للانتخابات وفي إعمار غزة، لكن السؤال هنا هو، هل يعني "ترحيل" الملفات الأخرى إلى ما بعد إجراء الانتخابات بأن مراكز القوى على الأرض، ستنحني لعاصفة الإعلان، وتسلم بأن تجري الأمور في هذا الاتجاه؟

الجواب يبدأ أولاً من التشكيل الحكومي نفسه، فإذا كان اختيار الرئيس ليكون رئيساً للحكومة قد سهّل الأمر على "فتح" وإلى حدٍّ ما على عنوان "حماس"، وحتى على سلام فياض نفسه، الذي بهذا الخيار يمكنه أن يبقى ضمن التشكيل الوزاري الجديد، كوزير للمالية، بما يضمن انسياب تمويل السلطة، فإن "حكومة غزة" خاصة رئيسها، والذين هم ليسوا مستقلين ولا تكنوقراط، سيجدون أنفسهم خارجها، بذلك من الطبيعي أن لا يكونوا قولاً وفعلاً مع إعلان التوافق.

وحيث أنه من المتوقع أن يواصل قائدا الطرفين، وربما بمعزل، حتى عن أعضاء الوفدين اللذين تابعا الملف خلال الأشهر الطويلة الماضية، البحث في المرشحين للتشكيل الوزاري، فإن دائرة أوسع من عدم الاهتمام بإنجاح الخطوة، أو على الأقل بالقتال من أجلها، هذا فضلاً عن كل الفصائل والقوى السياسية، والتي لعبت دوراً في جهود المصالحة، وكانت لديها طموحات عديدة في المشاركة بالحكومة الجديدة.

يمكن القول، إنه على جانب الضفة الغربية ـ رام الله ـ ستكون المعارضة أقل، نظراً لسيطرة الرئيس على أجهزة الأمن ولوجود فياض ضمن التشكيل الجديد، لكن على جانب غزة يمكن القول، إن قوة الأمن، لن تكون قوة معارضة بقدر معارضة الجهاز المدني، الذي سيفقد امتيازاته على المعابر خاصة، وعلى صعيد "التشكيل الحكومي" الذي سيفقد، مجرد إعلان التشكيل الحكومي، مكانته ووظيفته، وربما هذا ما يفسر، أن يترافق ضمن الإعلان موضوع إعمار غزة بإجراء الانتخابات.

لذا يمكن القول، إن المراهنة ستكون أو أن مصير الإعلان سيكون معلقاً ضمن "صفقة" صناديق الاقتراع مقابل أموال الإعمار، فكلما وصلت المليارات، فتحت الطريق للاقتراع والعكس صحيح، أي أن "غزة" لن تقبل بتمرير الاتفاق مقابل وعود بالإعمار، كما حدث في مناسبات سابقة، بدءاً بشرم الشيخ، وليس انتهاءً بكل الإجراءات الإسرائيلية اللاحقة لزيادة المواد المسموح بدخولها إلى غزة.

لعلّ أول عقبة بالطبع ستواجه الإعلان، هي أسماء المرشّحين للتشكيلة الوزارية، وقدرة كل من أبو مازن وأبو الوليد، تسويقها على حركته، ومن ثم البحث في التفاصيل اللاحقة، وفق المنطق "الحمساوي" الذي ما زال يرى بأن حصة "حماس" في الحكومة وحتى في المنظمة يجب أن يتساوى مع ما ظفرت به في الانتخابات السابقة، ومنطق "فتح"، الذي يرى بأن انتخابات عام 2006 صارت وراء ظهر الجميع، وأن "المحاصصة" يجب أن تتم وفق مقاييس الانتخابات القادمة، على أساس استطلاعات الرأي التي تجريها مراكز ومؤسسات عديدة.

بعد ذلك تظهر العقبة الفنية الخاصة بإجراء الانتخابات، حيث تحتاج لجنة الانتخابات المركزية نحو ثلاثة شهور لترتيب مراكز اللجان وإعداد قوائم الناخبين وما إلى ذلك، وعلى الأرض يمكن تسهيل مهمة أو عرقلة مهمة هذه اللجان، وفي الحقيقة حتى لو بدأ تدشين إعلان الدوحة، وإعلان حكومة التوافق بزيارة تاريخية/ ميدانية، مشتركة لكل من عباس ومشعل لغزة، فإن الأمور على الأرض قد لا تستوي تلقائياً. فبعد توقيع اتفاق المصالحة قبل نحو عام، ظلت قوات الأمن الداخلي في غزة، تمنع بين فينة وأخرى وصول القادة الفتحاويين لغزة، وتحت ذرائع مختلفة، فهل تفعل الشيء ذاته تجاه وزراء حكومة التوافق ـ مثلاً ـ بحيث يظل إعلان الوحدة، ممثلاً بالحكومة المركزية معلقاً في الهواء، بانتظار متغيرات أو استدراكات إقليمية؟!

لا شكّ أن ما يحيط بالملف الداخلي من تأثيرات خارجية، سيحدد عملياً وفعلياً مستقبل هذا الإعلان، وربما كان دخول قطر (الأمير والشيخ القرضاوي)، يعتبر ضمانة قوية لنجاحه، لكن ربما كان الهدف الرئيسي هو احتواء الحالة حتى لا تنزلق إلى التدهور، كما حدث عام 1992، حين اضطرت الإدارة الأميركية لعقد "مؤتمر مدريد" بعد حرب الخليج الأولى، لكن عقد المؤتمر بحدّ ذاته لم يكن كافياً للتوصل إلى حل، وحتى إعلان أوسلو ـ الذي جاء من وراء ظهر مدريد ـ تعثر لاحقاً ولم يحقق الهدف المنشود.

من الواضح أن أبو مازن الذي يؤمن بالحلول السياسية، والذي لا ينحاز إلى "فتح" أو "حماس"، ويهمه أن يتوصل الفلسطينيون والإسرائيليون في نهاية المطاف إلى حل بصرف النظر عن حامل هذا الحل على الجانب الفلسطيني، لا يمثل عقبة كأداء في طريق الانتقال الديمقراطي للسلطة، حتى لو جاءت على شكل الانتقال من "فتح" إلى "حماس" في انتخابات قادمة، وهذا ممكن بالنظر إلى خيارات الناخب العربي، حيث من المتوقع أن يتم تشكيل حكومات إسلامية حتى في الممالك العربية، التي قد لا تشهد "الربيع العربي" على شاكلة تونس، مصر، ليبيا، اليمن وحتى سورية.

وحتى تتحمّل "حماس" المسؤولية كاملة فهي بحاجة إلى وقت، أولاً، لترتيب النظام العربي الجديد، الذي سيكون بالمحتوى الإسلامي، وثانياً، حتى يتم حل إشكالية إدراجها ضمن قائمة المنظمات الإرهابية لدى البيت الأبيض، وإذا كان الإقليم كله، ومعه القيادة الكونية تنتظر تلك الترتيبات، فإن الشأن الفلسطيني الداخلي ومن ثم في علاقته مع إسرائيل، يحتاج إلى إدارة مؤقتة، فربما كان نظام إسلامي إقليمي/ عربي، مؤهلاً لاجتراح الحل، وذلك ممكن حين تتشكل حكومات إسلامية صريحة في مصر والأردن تتوافق مع حكومة فلسطينية مماثلة، حينها يمكن احتواء الحل الوطني في إطار الحل الإقليمي، دون مشاكل أو عقبات.

rajab22@hotmail.com