محمد ياغي:عن لعبة "الاستهبال"

لم تتمكّن "فتح" و"حماس" من حسم ملفات الخلاف بينهما، فكانت النتيجة أن اتفق الطرفان على أن الشيء الوحيد الذي يمكن الاتفاق عليه هو تغيير القانون الأساسي الفلسطيني. نقول ذلك لأن تخريجة أن يكون رئيس السلطة الوطنية هو نفسه رئيس الوزراء، لا يمكن "استيعابها".. لماذا؟

إذا كان البرنامج السياسي للحكومة هو نفسه برنامج السلطة الوطنية الحالي، فهناك عشرات الأسماء التي كان من الممكن ترشيحها لتولي هذه الحقيبة، بما يعفي طرفي الخلاف من التعدي على القانون الأساسي للسلطة الذي لا يتيح للرئيس الجمع بين الرئاسة ورئاسة الوزراء.

إذا كان جوهر الخلاف بالنسبة لحركة "حماس" هو شخص سلام فياض، فقد كان بإمكانها أن تشترط أن تقوم "فتح" بترشيح من ترغب لرئاسة الوزراء شريطة ألا يكون هذا الشخص هو الدكتور فياض، وأن تكون الحكومة من خارج الأحزاب أو تكنوقراط كما تحدث إعلان الدوحة. وبهذا كان يمكن لطرفي الخلاف أن يعفيا أعضاء البرلمان من مشروع الاعتداء على القانون الأساسي، الذي أصبح بلا قيمة بسبب كثرة التجاوزات له.

لا نعتقد بأن ترحيل الخلاف إلى الشكل الدستوري سيحل المشكلة بين الطرفين. الرئيس عباس لا يرى طريقاً آخر غير المفاوضات.. و"حماس" كما يبدو مع الربيع العربي أصبحت ترى أن "مجاراة" طريقة الرئيس عباس مقبولة طالما أن ذلك لا يترتب عليه "إثم" التفاوض من قبلها، وأن هذا "الإثم" في رقبة من يقوم به. بشكل أوضح، لا يزال بإمكان "حماس" أن تقول إن المفاوضات خاطئة ولن تعيد الأرض لأصحابها.. لكنها ليست حجر العثرة في طريقها. لماذا؟ لأن "حماس" حالياً لا تمتلك إستراتيجية بديلة غير إستراتيجية انتظار أن "يزهر" الربيع العربي.

إستراتيجية الانتظار تعني أن يعلن رئيس الوزراء هنية أن فلسطين من رفح لأم الرشراش هي أرض فلسطينية لا تنازل عنها.. لكن وفي المقابل، لا يوجد ما يمكن تقديمه لاستعادة الضفة الغربية منها.. ليس من باب غياب الأفكار، وعدم وجود الإمكانيات، أو الحلفاء.. ولكن من باب عدم تحويل الأنظار وإحراج الأصدقاء. قطعاً يشاركهم الرئيس عباس أفكار الانتظار نفسها، وإلا لكنا شاهدنا "ربيعاً فلسطينياً" أيضاً مثلما نشاهد في كل مكان تقريباً في العالم العربي. ما نخشاه أن سياسة الانتظار هذه ليست بريئةً، وأن الهدف منها إبعاد إسرائيل عن الأضواء وعدم إحراج "علماء الأمة" بعقد اجتماع يطالب مثلاً بمقاطعة الدول التي تدعم إسرائيل. لماذا؟ هذا السؤال يوجه إلى قيادات "حماس" و"فتح".. ولعلماء الأمة بكل تأكيد.

الاتفاق بين "فتح" و"حماس" ضروري لتحرير فلسطين.. لكننا نخشى أن ما جرى ليس اتفاقاً ولكن شراء للوقت ورضا الآخرين. لأن كلا الطرفين بلا برنامج للمرحلة الراهنة.. مع أنه موجود ويحدث أمامنا في كل قطر عربي.. المقاومة الشعبية السلمية. لكن لماذا ترفضها "فتح" وهي التي تتحدث عنها في أدبياتها منذ المؤتمر السادس؟ السبب بسيط، لأن قيادة "فتح" تخشى أن يؤثر ذلك على علاقاتها مع دول الرباعية وعلى المال القادم منها ومن عائدات الضرائب التي تحولها إسرائيل للسلطة. لتبقى المقاومة السلمية إذا معزولة في بلعين كل يوم جمعة.

لكن لماذا لا تقوم "حماس" بالمقاومة السلمية بعد أن قبلت بها كبديل للعمل المسلح.. "حماس" ستقول إن "الأمن الفلسطيني" يمنعها.. لكن ذلك غير صحيح.. ليس لأن الأمن "لا يمنعها"، لكن لأن الإرادة غير متوافرة لديها.. والسبب الحقيقي هو عدم توجيه الأنظار نحو فلسطين.. "علماء الأمة" قرروا أن بإمكان فلسطين انتظار ما يجري في سورية.. وأن لا حاجة لإحراج الإخوة العرب وأصدقائهم في المسألة الفلسطينية.. وأن أولى أوليات "الأمة" هي التصدي للخطر "الشيعي الرافضي" على المنطقة.

دعونا إذاً نلعب لعبة "الاستهبال والعبط".."لعبة استرضاء الآخرين".. ليشكل الرئيس عباس الحكومة، وليجتمع التشريعي لتغيير القانون الأساسي، ولتقرر إسرائيل أنها لا تريد أن ترى انتخابات جديدة في فلسطين. رئيس دولة قطر العظمى سيتوسط "لنا" لدى "الأخوة" في إسرائيل لإجرائها.. الوساطة تنجح، والانتخابات تتم.. إذا نجحت "فتح" فلا توجد مشكلة لأن برنامجها معروف.. أما إذا نجحت "حماس".. فستعود الأشياء إلى ما كانت عليه.. لا توجد خسارة لأحد.. "حماس" تعلم ذلك مسبقاً.. الجميع لم يغادر المربع الذي بدأ منه "لعبة العبط" هذه.. كسب "علماء الأمة" بعض الوقت للتفرغ لما هو أهم.. ارتاحت "فتح" لبعض الوقت من السؤال عن البديل للعبة المفاوضات.. وأشغلت "حماس" نفسها لبعض الوقت في قصة ترتيب البيت الداخلي بعيداً عن الأسئلة المحرجة المتعلقة بالصراع مع إسرائيل.. الجميع راض عن اللعبة وعن نتائجها.. الجميع منتصر.. قطر، "حماس"، "فتح"، إسرائيل، الرباعية، الجامعة العربية.. بضربة واحدة، لا غالب ولا مغلوب، ومكانك قف.