الشافعي:هل وصل قطار المصالحة إلى محطته الأخيرة؟

index

هل تكون الدوحة وإعلانها بين "فتح" و"حماس" آخر الاتفاقات والتفاهمات ليبدأ معه التطبيق العملي الملموس والجدي لإجراءات المصالحة ؟ ام لا نزال بحاجة الى اتفاق او تفاهم جديد في عاصمة عربية أخرى ثم أخرى، حتى لا نترك عاصمة عربية تعتب علينا ان قطار مصالحتنا لم يمر بها ولم تحمل واحدة من عرباته اسمها وبصمتها. فقد انطلق قطار مصالحتنا من اتفاق القاهرة ومر في وثيقة أسرانا البواسل بكل تنظيماتهم، ثم في مكة المكرمة، ثم مر في صنعاء، وها هو يمر في الدوحة، وكان يعود بين محطة واخرى الى القاهرة، كما هو المقرر له ان يعود الى القاهرة ايضا بعد الدوحة.

الا يكفي كل هذا التجوال؟ الا تكفي كل هذه اللقاءات والوساطات والاتفاقات والتفاهمات وقبلها وأهمها مناشدات أهلنا وناسنا وضرورات قضيتنا الوطنية لتحقيق مصالحتنا ؟

هل الخلاف بيننا صعب وعميق ومعقد الى هذه الدرجة؟ السنا توأمين ولدنا من رحم واحد وشفتين لفم واحد وضفتين لجرح واحد ؟ ( كما يكتب خيري منصور ) ألسنا عينين في رأس واحد تضطرب الرؤية ويحول النظر اذا انعدم البصر في احدهما او حتى اضطرب ؟

هل صحيح ان المصالح، الحزبية منها او النفعية الشخصية، تعلو على الوطن المشترك والهم المشترك والخوف المشترك والقهر المشترك، وعلى الأمل المشترك أيضاً؟

ألا يمكن لنا ان نختلف وتصطرع رؤانا ومواقفنا وبرامجنا في حدود وطن واحد ونظام واحد وحكم واحد ومؤسسات واحدة، وأن يكون الحَكم فيما بيننا هو نفس الرحم الذي خرجنا منه جميعاً، رحم أهلنا وناسنا الذين تحملونا وصبروا على أخطائنا وذاتيتنا ونزقنا فوق ما يتحملونه من قهر الاحتلال وعسفه؟

إعلان الدوحة لا جديد جوهريا فيه، وكأن الهدف الأساسي منه فقط ان تحمل عربة من قطار مصالحتنا اسم الدوحة لاثبات الدور والوجود وعلى قاعدة مفيش حد أحسن (أهم) من حد.

الاتفاق على أبو مازن رئيساً لحكومة التكنوقراط المستقلة العتيدة لا اعتراض عليه من غالبية الناس، بل ربما يلاقي هوى وقبولا في نفوسهم. فالناس التي لا تريد الا العنب.

ولكنه في الحقيقة ليس اكثر من" تخريجة " شكلية لحالة الاستعصاء التي يعيشها اتفاق المصالحة في واحدة من مفاصله الأساسية.

وكأن هذا الشعب الذي يصدر خبرات وكفاءات الى كل الدنيا ليس به كفاءة مستقلة تصلح لترؤس وزارة محددة المدة ومحدودة المسؤولية .

والإعلان لا يضيف لأبو مازن أية صلاحيات فوق ما لديع كرئيس.

ولكنه بالتأكيد يضيف الى رصيد قبوله وتأييده على المستويين الإقليمي والدولي، وهو ما يحتاج له في حركته السياسية الواسعة والنشطة.

وبالمقابل فان الإعلان يخصم من رصيد "حماس" لأنها قبلت ( ويقال انها هي التي اقترحت) ترؤس ابو مازن للوزارة ببرنامجه السياسي المعروف الذي يؤكد التزامه به، والذي ظلت "حماس" تعترض عليه وترفضه طيلة السنوات السابقة.

هل سينجح الاتفاق ( اعلان الدوحة) هذه المرة ويكون خاتمة أحزان الانقسام؟

إن مسار الامور في الواقع العملي والتنفيذ لا تبدو واعدة بقدر ما قدم للناس من آمال.

ويبدو وكأن ابو مازن كان يستشعر ذلك. فهو، في مقابلته مع قناة العربية ، ربط - لناحية التوقيت على الأقل- ما بين إعلان الحكومة الجديدة ومرسوم إعلان الانتخابات وموعدها، وما بين إنجازات ملموسة في الإجراءات الضرورية لعقد الانتخابات.

لقد اعلن اكثر من مسؤول من "حماس" تحفظه على الاتفاق او رفضه له، لكن القيادي محمود الزهار كان اكثرهم وضوحا وصراحة حين صرح لوكالة انباء الشرق الاوسط المصرية ان الاتفاق "خطوة خاطئة لم يتم التشاور فيها داخل حركة حماس وسابقة لم تحدث في تاريخ الحركات الاسلامية". مضيفاً "عندما كان يحدث مثل هذا الامر كان يتم تصحيحه في المجالس الشورية، لذلك لا بد من تصحيح هذا الخطأ". ومسؤول آخر اعلن ان "حماس" لم تقرر بعد موقفها من موضوع الانتخابات.

وبدون الوصول الى استنتاجات متسرعة وقراءات غير دقيقة ورغبوية حول وحدة "حماس"، فمن الواضح ان هناك في الحركة مواقف معترضة على الاتفاق وخلافات حوله تستدعي انعقاد مجلس شورى كما طالب الزهار.

أول وأهم ترجمات هذه المواقف والخلافات هو عدم التعاون بالشكل الضروري والمطلوب مع لجنة الانتخابات في غزة وتمكينها من القيام بالإجراءات والتحضيرات التي لا يمكن ان تتم الانتخابات بدون إنجازها.

وبصراحة، بدون انتخابات عامة ديمقراطية حرة ونزيهة لن يكون هناك مصالحة ولا يحزنون ولا قيمة لاي اتفاق، بل يبقى التكلس في مربع الانقسام، وربما الاتفاق، في احسن الاحوال، على ادارته بشكل اقل فجاجة واستفزازا.

هل ستخيب "فتح" و"حماس" الظنون وتتجاوز الشكوك والمخاوف وتجد حلولا للخلافات وتصل في الايام القليلة القادمة بقطار المصالحة فعلا وتنفيذا عمليا الى محطته الاخيرة ؟