معركة الشرعية الدولية: خيار ام توجه

تتعرض السلطة الفلسطينية إلى طغوطات أمريكية وإسرائيلية بعدم التوجه إلى ألأمم المتحدة ،ووقف أي طلب فلسطينى للحصول على عضوية كاملة للدولة الفلسطينية ، وإذا كان لهذه الضغوطات من دلالات سياسية فهو التخوف من أن معركة الشرعية الدولية تعتبر من أهم الخيارات والتوجهات الفلسطينية في مرحلة الإنسداد السياسي ، وفقدان الأمل في أي تقدم للمفاوضات في وقت لم تعد الولايات المتحدة قادرة على ممارسة أي ضغط على إسرائيل في سنة التوجه لإنتخابات الرئاسة ألأمريكية، ولذلك لجأت إلى إحياء دور اللجنة الرباعية الغائبة أصلا عن أي دور لها . وفى ظل هذا الغياب لأى إمكانية للخيار السياسي السلمى والتفاوضى ، ماذا بمقدور الفلسطينيين أن يفعلوا وهم لا يملكون أي خيارات أخرى ؟ وهنا ينبغي التاكيد على أن خيار الشرعية الدولية هو في ألأساس خيار سلمى ، وخيار يدعم الخيار التفاوضى ، ومن ثم الذهاب إلى هذا الخيار لا بديل عنه في مرحلة فقدان كل الخيارات ألأخرى.وهنا السؤال الذي يحتاج إلى إجابة واضحة :

 

هل بعد ستين عاما على النكبة ما زال للشرعية الدولية أهميتها ؟ وكيف ننظر اليها ؟فى يقينى تشكل الشرعية الدولية أحد أهم الساحات الهامة التى على الفلسطينيين أن يعيدوا ترتيب وتوظيف عناصرها بما يدعم ويقوى موقفهم السياسى وقضيتهم من أجل الحرية والإستقلال . ولعل هذه الساحة السياسية تتيح للفلسطينيين أدوات ووسائل مؤثره وفاعله على الصعيد الدولى . وفى هذا السياق يشكل إحياء المرجعيات الدولية أحد أهم ألأدوات المؤثرة فى يد الفلسطينيين . وعلى مدار سنوات عمر القضية الفلسطينية منذ عام 1948 لم يتم ألإستفادة القصوى من العديد من القرارات الدولية التى أصدرتها ألأمم المتحده ومنظماتها االتخصصية ، وعدد كبير منها ذو مغزى قانونى وسياسى لا يمكن تجاهل تأثيره .

 

وإبتداء ينبغى التأكيد على أن قرارات الشرعية الدولية لا تسقط بالتقادم ، بل هى تأكيد وتجسيد لإرادة دولية متجدده ودائمه ، بمعنى أن قرارات الشرعية الدولية تستمد قوتها من ألإرادة الدولية ذاتها المعبرة والمنشئة لها ، وطالما أن هذه الإرادة الدولية قائمه وتملك أداتها التنظيمية المجسدة لها وهى هنا ألأمم المتحده وفروعها ومنظماتها المتعدده ، طالما بقيت هذه الشرعية الدولية صالحه وذات مفعول . وألأمر الآخر أن قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية ليست مجرد قرارات منفصله ، بل هى عملية دولية مستمره ومتراكمه ، فمنذ نشأة القضية الفلسطينية ولازمتها عملية مواكبه دولية بإصدار القرارات والمبادرات التى سايرت تطورات القضية الفلسطينية والقضايا المتفرعة عنها كالقدس واللاجئين والمستوطنات وغيرها ، والملاحظة الثالثه شمولية هذه القرارات وتعدديتها ، فقرارات الشرعية الدولية عالجت كل الجوانب المتعلقة بالقضية ، بل ولم يقتصر ألأمر على المنظمة ألأم بل صدرت العديد من القرارات من قبل منظمات كاليونسكو ومحكمة العدل الدولية ، والملاحظة الرابعة أن ما تتميز به هذه القرارات أنها قرارات تجديديه تأكيديه ، فهناك العديد من القرارات التى صدرت لتؤكد ما قبلها ، وبالتالى تحمل صفة التأكيد معنى الإلتزام الضمنى وهنا ألأهمية القانونية لهذه القرارات . وعلى الرغم من أنها قد جاءت فى صورة توصيات ولم تصدر طبقا للفصل السابع الذى يتضمن الإلتزام وذلك لممارسة الولايات المتحده لحق النقض ، ومع ذلك تعبر عن إرادة دولية عامه ، وهنا جدير بنا التنويه ، ان صدور القرارات الدولية وفقا للفصل السابع يحمل معنى الإلتزام فى التنفيذ فقط ، أما صدورها دون ذلك لا يعنى عدم قانونيتها وشرعيتها ، فالمعيار ألأساس هو ما مدى قانونية وشرعية هذه القرارات ثم تأتى بعد ذلك مرحلة ألزاميتها وهى عملية مرتبطة بالمصالح والتحالفات التى تربط بين الدول ، أما الملاحظة الخامسة التى نفهمها من هذه القرارات أن مجموع قرارات الشرعية الدولية يحمل معنى المسؤلية الدولية الجماعية تجاه القضية الفلسطينية ، وتبقى هذه المسؤولية قائمه ما دامت المنظمة أو الجهة التى أصدرتها قائمه أو أن تؤول المسؤلية الى منظمة أخرى كالأمم المتحده وعصبةألأمم ، فمسؤلية ألأمم المتحده عن قيام إسرائيل كدولة يعنى بالمقابل إستمرار مسؤليتها عن قيام الدولة الفلسطينية ، والمسؤولية الدولية كل لا يتجزأنأخذ منها ما نريد أو لا نريد .

 

وللمسؤلية الدولية أبعادا متعدده سياسية وقانونية وأخلاقية وإقتصادية ، والمهم هنا كيفية إحياء هذه المسؤلية والتعامل معها . وهناك ملاحظة هامه أن هذه القرارات ساهمت فى بقاء القضية الفلسطينية حية على المستوى الدولى .

ويبدو لى أننا تعاملنا مع هذى الشرعية بطريقة موسمية وهو ما قد يفقدها تأثيرها وفاعليتها ، ويحتاج العمل بهذه الشرعية الى رؤية وإستراتيجة واضحه وشامله ودائمه ومتعددة ألإتجاهات والمستويات ، والتذكير دائما بها وإعادة التأكيد عليه وتجديده بطرح مشروعات قوانين مستمرة ، وطرح مبادرات تنطلق من ألأسس التى قامت عليها . وهنا أسوق بعض ألأمثلة :إبراز عناصر الضعف لدى إسرائيل من منظور الشرعية الدولية ،فقد إرتبط قيام إسرائيل بقيام الدولة الفلسطينية ، وارتبط قبول عضويتها بالالتزام بالقرار 194 الخاص باللاجئيين الفلسطينيين وعودتهم الى ديارهم التى أخرجوا منها .

 

أهمية الربط بين أساليب المقاومة الفلسطينية وقرارات الشرعية الدولية . وأن يكون تفعيل هذه القرارات الدولية محور عمل الدبلوماسية الفلسطينية وسفاراتها فى الخارج . إعادة التعريف والتوعية بها من خلال وسائل الإعلام المتعددة على المستوى الدولى . والعمل على الربط بينها وبين المبادرات المطروحة مثل المبادرة العربية . وأخيرا لا ننسى أهمية الدور الذى يمكن أن تلعبه مؤسسات المجتمع المدنى الدولى .

 

ويبقى أن معركة الشرعية الدولية ليست سهله بل تشكل أكثر ضراوة من السلاح نفسه ، ولا ينبغى التقليل منها ، لكنها تحتاج منا الى تفعيل عناصر القوة المتاحة لدينا والربط بينها وبين لغة المصالح الوطنية للدول ، والربط بينها وبين ألأهداف التى من أجلها أنشئت ألأمم المتحده ، هى معركتنا وليست معركة غيرنا . ومعركة الشرعية الدولية ليست معركة قرار دولي واحد بل هي معركة العديد من القرارات التي أصدرتها ألأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية والتي قد أكدت في مجملها على عدم شرعية الإحتلال الإسرائيلى وبطلان كل سياساته الإستيطانية على ألأرض الفلسطينية ، وعلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، وهذا هو السبب الذي تتخوف منه إسرائيل والولايات المتحدة ،هي معركة نزع كل أوراق شرعية القوة التي تقوم عليها إسرائيل وتعيدها وتعيد القضية إلى عام 1948 وقيام إسرائيل كدولة بفعل قرار دولي ، وأخيرا هي معركة الإستحقاقات والمسؤولية الدولية وقبلها العربية وألإسلامية.

 

 

دكتور /ناجى صادق شراب / أستاذ العلوم السياسية /غزه

drnagish@hotmail.com