دولة العربدة الاستيطانية
يوما تلو الآخر تندفع حكومة قطعان المستوطنين الاستعمارية الاسرائيلية بقوة لتوسيع وتعميق عملية الاستيطان في المدن الفلسطينية المحتلة عام 67 وخاصة في كل من القدس والخليل. لم تكتفِ حكومة نتنياهو - ليبرمان ومن لف لفهما من اقصى اليمين الصهيوني بتوسيع وشرعنة المستعمرات المقامة على الاراضي الفلسطينية في المناطق المصنفة (C وB)، بل انها لجأت الى احتلال المباني والعمارات والمساكن الفلسطينية وسط المدن الفلسطينية كما حدث يوم الخميس الماضي عندما قامت مجموعة من عائلات قطعان المستوطنين باحتلال احد المباني وسط مدينة الخليل، كما اعلن نير بركات, رئيس بلدية القدس عن اقامة حي استيطاني من اكثر من (200) وحدة استيطانية في حي ابو ديس باسم «كيدمات تسيون» لتمزيق الاحياء الفلسطينية ونسيجها الاجتماعي والوطني والعمراني, وبهدف تهويد المدينة مستغلا انشغال العالم في همومه الخاصة، الولايات المتحدة في انتخاباتها واوروبا في ازماتها والعرب في شؤونهم وهمومهم الداخلية.
ورغم ان محكمة «العدل» العليا الاسرائيلية والادارة المدنية اكدتا على عدم جواز احتلال البيت في مدينة الخليل، وطالبت باخلائه فورا، الا ان رئيس عصابة الاستيطان الاستعماري نتنياهو طلب تأجيل الاخلاء دون سبب او مبرر. وفي نفس الوقت، قام وزير المواصلات يسرائيل كاتس بزيارة قطعان المستوطنين في البيت المحتل «تضامنا» معهم، كما قامت النائبة عن حزب الليكود الحاكم تسيبي حوطيبلي مع ثلاثين من اعضاء حزب الليكود بزيارة «تضامنية» مع المستوطنين؟!
رسالة واضحة وعميقة الدلالة لما يجري على الارض الفلسطينية وداخل المدن الفلسطينية، وعلى المنحى الذي تسلكه حكومة اقصى اليمين الصهيوني تجاه عملية السلام ومصالح الشعب العربي الفلسطيني. والتي تشير وتؤكد على الآتي:
أولا، رفض خيار التسوية السياسية القائم على خيار حل الدولتين للشعبين على حدود الرابع من حزيران 67 كليا.
ثانيا، عدم الالتزام بالقوانين والشرائع الدولية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية.
ثالثا، الاستهتار بكل المواقف والمبادرات الفلسطينية والعربية وخاصة مبادرة السلام العربية 2002، والاستخفاف بالعرب والفلسطينيين.
رابعا، مواصلة تطوير المشروع الكولونيالي الصهيوني الاستيطاني الاستعماري الاحلالي والاجلائي، والهادف للتصفية الكلية للوجود الوطني في الارض العربية الفلسطينية، وقتل اية بارقة للسلام لا على اساس خيار الدولتين للشعبين ولا خيار الدولة الواحدة.
الرد الفلسطيني والعربي، يتمثل في:
أولا، عدم المراهنة على القوى والاقطاب الدولية وخاصة الولايات المتحدة، وبالتالي عدم الانتظار والرهان على اية مواقف جدية لتكريس اي تسوية سياسية.
ثانيا، التوقف عن فكرة إرسال الرسالة الرئاسية لنتنياهو لا سيما وان المؤشرات تقول ان الحكومة الاسرائيلية ورئيسها ليست بوارد استلام الرسالة، فضلا عن ان مضمونها بات معروفا لاسرائيل والعالم.
ثالثا، الدفع بخيار المصالحة فورا وقطع الطريق على مافيات الانقلاب الحمساوي، والعمل بعقلية وطنية جامعة وموحدة للجهود الوطنية على اساس الشراكة السياسية الكاملة مع الكل الوطني. وفي السياق الشروع بتشكيل حكومة المستقلين دون انتظار عمل لجنة الانتخابات، لأن الحكومة هي التي يمكن ان تجسر عمل اللجنة وتفتح الافق نحو تجسيد المصالحة، لان الخطوة المهمة الان هي انهاء الحالة الخطيرة من الانقسام القائمة.
رابعا، البدء فورا بوضع خطة عمل وطنية لتفعيل المقاومة الشعبية في مختلف ارجاء الوطن.
خامسا، الشروع بتشكيل إطارات جبهوية عربية رسمية وشعبية داعمة للحقوق والكفاح الوطني. وهذا يتطلب فتح الافاق لعمل القوى والاحزاب الوطنية ومؤسسات منظمة التحرير مع القوى الشعبية، والسعي لعقد مؤتمرات شعبية في الدول المختلفة كمقدمة لمشروع مؤتمر شعبي قومي جديد داعم للحقوق والمصالح الوطنية ويعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية مركزية للعرب.
سادسا، ايضا في النطاق الدولي تأطير تحالفات دولية رسمية وشعبية وعلى مختلف المستويات، لتشكل لوبياً ضاغطاً على القوى النافذة في العالم وخاصة اميركا لتغيير مواقفها المعادية للمصالح الوطنية والمنحازة بشكل مطلق لصالح دولة الابرتهايد والعربدة الاستيطانية الاستعمارية.
احتلال بيت في الخليل واقامة حي جديد في ابو ديس وغيرها من الانتهاكات، عمليات التهويد والمصادرة للاراضي الفلسطينية العربية، ليست عمليات عبثية بل هي جزء لا يتجزأ من مخطط اسرائيلي كبير يسير بخطى حثيثة نحو التدمير الكلي للمصالح الوطنية العليا، الامر الذي يفرض على القيادة السياسية الكف عن سياسة الانتظار للرحمة ان تنزل على الشعب من القوى الدولية المتواطئة مع حكومة نتنياهو وخيارها المعادي للسلام والتسوية.