إخوان مصر: "الشاطر" بين استحقاقات الخارج ورفض الداخل!

habib

أحدث قرار مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بترشيح نائب المرشد العام للجماعة المهندس خيرت الشاطر، كافة الأوساط السياسية والشعبية والحزبية في جمهورية مصر العربية بالصدمة، حتى داخل إطار الجماعة نفسها، ويعود ذلك إلى أن الجماعة سبق وأعلنت بشكل متكرر إقرارها الموثق بعدم التقدم بمرشح منها لرئاسة الجمهورية، إضافة إلى قرارها السابق بعدم دعم أي مرشح من التيارات الإسلامية، ورغم أنها فصلت من عضويتها المرشح للرئاسة عبد المنعم أبو الفتوح لتقدمه إلى هذه الانتخابات، بل هددت كل مَن يدعمه من داخل الجماعة بالفصل، رغم ذلك، قام مجلس شورى الجماعة وعلى النقيض من كل ذلك، بالتقدم من خلال "الشاطر" بنقض كل ما سبق وأن قررته وأعلنته.

ولعل في القرار الذي "اتخذه مجلس شورى الجماعة" ما يشير إلى تداعيات، كان الأولى والأهم، ونقصد بذلك أن الجماعة وفي تحايل واضح مفضوح، على الدستور، قامت بالتحول إلى حزب سياسي أطلقت عليه "الحرية والعدالة"، إلاّ أن تماهي المجلس العسكري الحاكم في إطار توافقات مع الجماعة، غض الطرف عن هذا التحايل المفضوح على الدستور، خاصة وأن معظم الأحزاب المصرية لم تهتم بهذا الأمر كما كان ينبغي.

من هنا، فإن القرار بترشيح الشاطر، من قبل مجلس شورى الجماعة، وليس من حزب الحرية والعدالة، يكرر هذه الفضيحة من جديد، مع استمرار الصمت على ما مارسته من خداع مكشوف علناً، وتحايل مفضوح على الدستور المصري، بما فيه تعديلاته الأخيرة.

إلاّ أن الجماعة، في محاولة منها لتبرير تراجعها عن قراراتها السابقة بعدم التقدم بمرشح منها إلى انتخابات الرئاسة، أشارت إلى بضعة تبريرات، فأشار بيانها حول هذا القرار إلى أن استمرار حكومة الجنزوري وعدم قيام المجلس العسكري بإقالتها، وتكليف الجماعة بتشكيل حكومة جديدة، كان من ضمن أسباب أخرى، سبباً للتراجع عن قرارها السابق.

غير أن أي متابع لن يكون بحاجة إلى كثير جدل حول سذاجة هذا المبرر، لأنه من المعروف أن الجماعة وقعت عند تشكيل حكومة الجنزوري ضد كل الأحزاب المصرية التي عارضت، وشككت بهذا التكليف، وانضمت إلى المجلس العسكري في تبريره، إلاّ أنه يمكن القول إن الجماعة وبعدما تبين لها أن هذه الحكومة لا تخضع وفقاً للدستور لثقة البرلمان، بل تخضع لإرادة الرئاسة، وفشلها في إقناع المجلس العسكري بإقالتها، الأمر الذي تسبب في إيجاد شرخ في العلاقة المتينة والمتصلة في إطار ما يسمى الصفقات والتسويات بين المجلس العسكري والجماعة، ثم إن هذه الحكومة، بحكم المنتهية، كونها ستتغير بالضرورة بعد حوالي الشهرين، إلى حين انتخاب رئيس الجمهورية، ما يشير إلى أنه لا جدوى من إقالتها، إذ إن تشكيل حكومة جديدة، ليس بالأمر السهل، ويحتاج أيضاً إلى وقت، ما يجعل استمرار هذه الحكومة أمراً لا بد منه على ضوء هذه الحال.

كما يشير إعلان الجماعة بهذا الصدد، إلى مبرر آخر، إذ اعتبرت القرار هو الرد على تلويح المجلس العسكري بحل مجلسي الشعب والشورى، هذا المؤشر يؤكد من ناحية أن من صلاحيات المجلس العسكري مثل هذا الأمر، ويؤشر من ناحية ثانية على أن هناك مبررات قد تضطر المجلس العسكري إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة، خاصة وأن دستورية الانتخابات البرلمانية لا تزال مطروحة أمام القضاء الدستوري بعد أن تلقى طعونات عديدة حول عدم دستوريتها، علماً أن المجلس العسكري لم يلوح عملياً بحل المجلسين، بقدر ما هو شكل من أشكال التراشق بين الجانبين في محاولة منهما لإخفاء التوافقات والتسويات فيما بينهما.

أما المبرر الثالث لهذا القرار المفاجئ والصادم، فيتعلق بما أثاره استحواذ التيار الإسلامي بقيادة "الجماعة" على تأسيسية الدستور من لغط واتهامات موجهة لها برغبتها في تجاهل كافة مكونات المجتمع المصري السياسية والنقابية والاقتصادية، لكي تضمن دستوراً يتماشى مع أيديولوجيتها، رغم أنها قد لا تتمكن من الفوز في دورة انتخابية تشريعية قادمة.

ولهذه الاتهامات وجهتها التي يجب أن تؤخذ بالاعتبار، إذ لا يعقل أن يصوغ الدستور، جهة قد تظل في البرلمان لخمس سنوات، في حين أن الدستور، دائم، تتعاقب عليه الرئاسات والحكومات والبرلمانات، إضافة إلى أن بعض تيارات الجماعة، أو حتى بات الدستور الجديد، قد يدعو إلى إقامة نظام برلماني، أي أن يصادر ما جاء به الدستور الحالي، من أنه رئاسي، ولكي يصبح تشكيل الحكومة من قبل حزب الأغلبية، أي الحرية والعدالة، أي الإخوان المسلمين، في حين أن بعض الأوساط الحزبية والسياسية، تنادي بنظام رئاسي، أو رئاسي برلماني، وعندما تأكدت الجماعة أنه ربما لن يكون بوسعها الترويج للنظام البرلماني، قامت بمحاولة اختطاف الرئاسة، من خلال ترشيح الشاطر، لكي تصبح كل مقاليد الحكم، والسلطات الثلاث، تحت سيطرتها، ويقال بهذا الصدد إن المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر، محمد بديع، كان قد صرح قائلاً: "إن منصبي كمرشد أعلى من منصب رئيس الجمهورية، والرئيس القادم سيكون نائباً لي"!!

إلاّ أن الأكثر سخرية من هذه المبررات التي ساقتها الجماعة حول التراجع عن قرارها السابق بعدم التقدم بمرشح منها، فهو أن ترشيح الشاطر، سيمنع الفلول من الوصول إلى الرئاسة (!)، ذلك أنه من البديهي أن أصوات الإسلاميين ستذهب إلى المرشحين الإسلاميين، وفي حال زيادة عدد هؤلاء المرشحين، فإن هذه الأصوات ستتوزع عليهم، بما يقلل من فرص نجاحهم والفوز، في حين أن ذلك سيخدم باقي المرشحين، بمن فيهم هؤلاء الذين تدعي الجماعة أنهم من الفلول.

إلاّ أن ما لا قيل في مبررات الجماعة حول قرارها بترشيح الشاطر، قالته مصادر إعلامية أميركية، من أن ترشيح الشاطر تم في مواجهة مرشح التيار السلفي حازم أبو إسماعيل. وقالت "نيويورك تايمز" إن الإدارة الأميركية فوجئت بشعبيته الواسعة، وباتت تخشى من فوزه، وفي ظل قلة فرص أي مرشح ديمقراطي علماني، فإن واشنطن آثرت ترشيح أحد قادة الإخوان، لتهديد فرص أبو إسماعيل المعروف بمواقفه المتشددة، بما في ذلك إصراره المعلن على إلغاء اتفاقية كامب ديفيد، في حين أن الشاطر، الذي سبق وأن التقى بكافة الوفود الأميركية التي زارت القاهرة، والذي تربطه علاقات وطيدة برجال الأعمال الأميركيين، أكثر وسطية، إضافة إلى تصريحه المثير للجدل من عدم إلغاء اتفاقية كامب ديفيد وأنه مع تمكين حرية المرأة إضافة إلى ضمان توفير حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير.. ماذا تريد واشنطن وإسرائيل أكثر من ذلك.

وعلى هامش صدمة قرار الجماعة هذا، ما زال الجدل يثور حول علاقة المجلس العسكري بهذا التطور، وهل هذا ينسف التوافقات والتسويات والصفقات بينها، خاصة وأن المشير طنطاوي قام بالعفو عن الشاطر، ما خوّله الدخول إلى حلبة انتخابات الرئاسة قبل أيام قليلة من قرار مجلس شورى الجماعة بهذا الشأن، والأيام القليلة القادمة ستكشف الكثير عن خلفيات هذا القرار حتى لو تراجعت الجماعة عنه!!