هل يبقى الفلسطينيون خارج حراك المنطقة؟

samir_zapen

في الوقت الذي تجتاح المنطقة العربية الاحتجاجات من أجل تغيير الواقع المتردي الذي تعيشه منذ عقود، تبدو الأراضي الفلسطينية خارج هذه الحراك الثوري الديمقراطي. عندما تأثرت، انعكس ذلك بشعار «الشعب يريد إنهاء الانقسام»، لكنه شعار يعترض على مفهوم ولا يعبر عن مطالب محددة قابلة للتحقيق.

لأن هذه القضية لم تكن المطالبين فيها، بل بيد القوى السياسية التي تقبض على السلطتين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكل واحدة منها تستطيع أن ترمي المسؤولية على الطرف الآخر. صحيح أن الشباب الفلسطيني تحرّك تحت هذا الشعار وهناك من تعرض للقمع من سلطة قطاع غزة، ولكن أي من السلطتين في الضفة الغربية وقطاع غزة لم تقل أنها ضد الشعار الذي رفعته الحركة الشبابية، وبذلك سرعان ما فقدت الحركة زخمها وتعرضت سريعاً للاحتواء، أو تم افقداها المعنى، لأن الطرفين المسؤولين عن الانقسام ظهرا وكأنهما جزء من الحراك الشبابي لإنهاء الانقسام في الوقت الذي يتحملان مسؤوليته. بذلك لم يعد أحد يفهم ما الذي يجري، فقد تم إفقاد الحركة معناها، وتفريغها من المضمون، حتى قبل أن يتم توقيع المصالحة في القاهرة بين الطرفين واستكمالها في الدوحة.

أعتقد أنه من السذاجة اعتبار المصالحة الفلسطينية الموقعة في اتفاق غامض في القاهرة وفي آلية غريبة في الدوحة انجازاً للتحرك الشبابي المحدود الذي شهدته الأراضي الفلسطينية. فقد دفعت تغيرات وعوامل إقليمية إلى هذه المصالحة، أبرزها التغيّر الذي حدث في مصر والأوضاع التي تعيشها سوريا. رغم ايجابية توقيع اتفاق المصالحة، فإنه في أحسن الأحوال يعيد الوضع الفلسطيني إلى ما قبل الانقسام، ولكن ذلك الوضع لم يكن وضعاً مثالياً، فقد كانت حالة الشلل هي التي تعيشها الأوضاع الداخلية الفلسطينية لمن يملك ذاكرة، ولا أعتقد أن الانتقال من انقسام معلن إلى انقسام واقعي يحل المشكلة التي يعاني منها الوضع الفلسطيني. ليست المشكلة في الانقسام فحسب، بل في الأداء السياسي للقوى التي أوصلت الساحة الفلسطينية إلى الانقسام أيضاً، فالأيادي التي تتصافح هي ذاتها الأيادي التي أسالت الدم الفلسطيني. بذلك، على مستوى الاستحقاق الوطني باتت القوى الفلسطينية الممسكة بالساحة الفلسطينية عقبة أمام فتح أفق أمام القضية الفلسطينية.

رغم الحاجة المحلة للتغيير في الساحة الفلسطينية، وبفعل عوامل التأثير للثورات العربية، وبفعل الحاجة الضرورية لضخ دماء جديدة في الشرايين الفلسطينية المتيبسة، يبدو الوضع الفلسطيني، وضعاً خاصاً غير قابل للتأثر بتسونامي المنطقة التغييري، ويظهر كأنه عصيّ على التغيير.تنوع المرجعيات والسلطات في الواقع السياسي الفلسطيني، هو ما يفسر الواقع الفلسطيني الخاص. هناك سلطات فقدت مشروعيتها وانتهت مدتها ما زالت الأطراف تتمسك بها، مثل المشروعية الانتخابية التي انتهت مدتها الزمنية، سواء مشروعية المجلس التشريعي، أو مشروعية الرئاسة.

إن فترة ولاية المجلس التشريعي قد انتهت منذ زمن، وهذا ينطبق على الرئاسة. رغم ذلك، هناك وزارتان واحدة في الضفة الغربية تستند إلى مشروعية الرئيس المنتهية ولايته، وأخرى في قطاع غزة تستند إلى مشروعية المجلس التشريعي المنتهية ولايته أيضاً. لكن المشروعية الانتخابية ليست المشروعية الوحيدة من وجهة نظر السلطتين. هناك سلطة رام الله التي ما زالت تستند في مشروعيتها إلى منظمة التحرير التي ما زالت تُعتبر الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي إطار تتحكم به حركة فتح، والتي تم استدعاءها من غياب طويل بعد التشكيك في شرعية السلطة الفلسطينية في رام الله. وإذا كانت منظمة التحرير إطار يضم مجموعة من الفصائل، فإن حركة حماس لا تعترف بالإطار التمثلي للمنظمة، لأنه ـ حسب حماس ـ افتقد إلى الوطنية بعد توقيع قادتها اتفاقات أوسلو، وبالتالي هي تستند إلى مرجعية وطنية من دورها كحركة مقاومة لها ائتلاف وطني معارض لاتفاقات أوسلو والسلطة التي انبثقت عنها.المشكلة الأعقد في الإطار الفلسطيني، هو أن السلطتين الفلسطينيتين حتى لو تم توحيدهما في إطار اتفاق المصالحة، ليستا سلطتين فعليتين، هما سلطتان في ظل الاحتلال، ولا ترقيان لمكانة الدولة الاستبدادية أو غير الاستبدادية، والأهم من ذلك، إنهما سلطتان ليستا مستقلتين لا بالمعنى السياسي ولا بالمعنى المالي، وبالتالي يقع الوضع الفلسطيني في خانة ليس لها توصيف في علم السياسة، سوى بوصفها مرحلة انتقالية استطالت وتشظت دون أن تنتقل إلى شيء واضح في علم السياسة.إذا كان هذا على مستوى التوصيف السلطوي، فإن التوصيف التاريخي أكثر تعقيداً من ذلك. فاليوم، ليس هناك اتفاق حول هل تعيش الحالة الفلسطينية مرحلة تحرر وطني، أم أنها تجاوزت هذه المرحلة إلى مرحلة بناء الدولة؟ وهو توصيف تختلف عليه القوى المسيطرة على الساحة الفلسطينية. في الوقت الذي تعتبر سلطة رام الله أنها في مرحلة بناء الدولة، تعتبر سلطة غزة أنها سلطة مقاومة من أجل تحرير فلسطين، رغم توقف المقاومة فعلياً من غزة. بصرف النظر عن توصيف كل طرف للحالة الفلسطينية، أعتقد أنها حالة عالقة بين الحالتين، لم تعد مقاومة ولم تصل إلى الدولة، هي عالقة في عنق الزجاجة. وعلى هذه الوضع العالق في عنق الزجاجة يجب أن يرتكز أي مطلب تغييري في الحالة الفلسطينية. عدم وضوح الحالة الفلسطينية من حيث المرجعيات والمشروعيات، يحتاج من الحركة الشبابية الفلسطينية، مطالب إبداعية حتى تكون جزءاً من الحراك الديمقراطي في المنطقة. مطالب تستطيع أن تعالج الوضع الفلسطيني الداخلي الكارثي، دون إهمال الاحتلال الإسرائيلي، صيغة إبداعية لا تُفعّل الوضع الداخلي وتخرجه من حالة الشلل فحسب، بل ولا تُهمل المعركة مع الاحتلال من أجل الاستقلال. هل يفعلها جيل فلسطيني جديد؟ هل يبدع هذا الجيل ما أبدعه جيل فلسطيني سابق في العام 1987 في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، انتفاضة الحجارة؟ إنه سؤال برسم جيل الشباب الفلسطيني الذي يرغب أن يكون جزءاً مبدعاً من حراك المنطقة ومن خدمة قضيته الوطنية.