"يوميّات شهرزاد": قصص سجينات (صور)

بيروت: ليست المرّة الأولى الّتي تُحوّل "زينة دكّاش" موضوع إحدى مسرحيّاتها إلى فيلم. فبعد مسرحيّة "12 لبناني غاضب" من تمثيل سجناء روميه في عام 2009، تنتج اليوم دكّاش وجمعيّة "كثارسيس" (المركز اللّبناني للعلاج بالدراما) فيلمها الجديد "يوميّات شهرزاد"، مدته 80 دقيقة.
 
الفيلم توثيقيّ يعرض لعملها المسرحي الذي قد سبق لها أن نفّذته داخل أسوار سجن بعبدا للنساء تحت عنوان "شهرزاد ببعبدا" عام 2012. بطلاتهُ سجيناتٌ أوصلتهنَّ ظروف الحياة إلى خلف القضبان على ارتكابهنّ جرائم الزنى، تعاطي المخدّرات، القتل...
 
دخلت زينة دكّاش أسوار السجن متسلّحةً بخبرةٍ في مجال العلاج بالدراما ليبدأ "مشوار" اعترضته صعوبات جمّة. جلساتٌ عديدة وتمارين مُضنية وخاصة أحاديث شفّافة (حرّة) خلَقَت عامل الثقة الضروري والمهم بين "المُعالِجات والمُعالَجات". نوع من "جلسات المجموعة" أسقطت "الحواجز النفسية الدفاعية"، عناصر المقاومة الرافضة لأي انفتاح على الآخر. سقطت الأقنعة "لتعبر" السجينات أخيراً الى "الخارج"، خارج "شرنقتهم". عندها، سوف ينكشف عالم من القهر والتعذيب والظلم والجهل والطفولات البائسة... عاشتها تلك النسوة "في مجتمعٍ ذكوريٍّ بشعٍ لا يرى في المرأة سوى أداة إنجاب ومتعة".
 
يجول وثائقي "يوميّات شهرزاد" بالمُشاهد في كواليس المسرحيّة حيث تُرافق الكاميرا السجينات أثناء التحضير للعروض. لوهلة هو ينسى بأنّ مَن أمامهُ سجيناتٍ محكوماتٍ وليس بممثّلاتٍ (مع التنويه بالقدرات التمثيليّة – شبه الإحترافيّة – لبعضهنّ بشهادة جمهور المسرحيّة).
 
لا شكّ بأنّ المسرحيّة أجملُ من الفيلم. طبعاً بسبب واقعيّتها وتماسها المباشر مع الجمهور فاحتكاك السجينات بالحضور. إلاّ أنّ القيمة المُضافة للوثائقي هو "الشهادات" في كواليس العمل، نوع من الـ Making-of.. فالبحث أكثر في دوافع السجينات، أحلامهنّ، وشعورهنّ السابق واللاحق على مشاركتهن في المسرحيّة. فضلاً عن ضرورة الفيلم "كوسيط" وكوسيلة لنشره أمام الجمهور العريض ممَّن خاصة لم يتسنَّ لهم مشاهدة العمل المسرحي (في أصل فكرة الفيلم). وبالتالي تحويله مادّةً أرشيفيّة لشهادات حيّة.
 
أضف إلى ذلك، سماحُ الوثائقي للمُشاهد – الأمر الّذي لم يتسنَّ لجمهور المسرحيّة – من تتبُّع لقاءات السجينات مع عائلاتهنّ خلال وبعد العروض المسرحيّة.. جوّ عاطفيّ حميم، وخاصة إمكانية المصارحة (أخيراً)! فهّن عبّرن عمّا لم يستطعن قوله سابقاً، البوح فيه – من خلال تمثليهم، نصهم وحوارهم – ولاحقاً من خلال الكاميرا. كانت لافتةً حركتها.. محمولة على الكتف أثناء تصوير الأحاديث في الكواليس ما سمح بإضفاء الكثير من الواقعيّة والعفويّة.
 
قبل عرض الفيلم، ألقت دكّاش كلمةً أعلنت فيها عن فوز "يوميّات شهرزاد" بجائزة الإتّحاد الدولي للنقّاد – FIPRESCI وبشهادة التقدير ضمن مسابقة المهر العربي للأفلام الوثائقيّة في الدورة العاشرة من مهرجان دبي السينمائي الدولي (6-14 كانون الأوّل 2013). كما أكّدت "استمرار عمل الجمعيّة طالما دعت الحاجة وما دام هناك قضيّةٌ تستحقّ أن نعمل لأجلها".
 
كلمة وزير الداخليّة مروان شربل ألقاها بالمناسبة الجنرال الياس سعادة. وبعد حديثه عن الإتّجاه إلى تحويل السجون من مكان حبس مانع للحرّيّة إلى مراكز تأهيل، وعن ضرورة إرساء دعائم نظام الرعاية داخل السجون، وبعد تنويهه بالسجناء والسجينات الّذين واللّواتي اشتركنَ في نشاطات جمعيّة "كثارسيس"... أعلن عن "حاجة السجون الماسّة إلى عمل الجمعيّات الأهليّة". دعوة لأن نشهد تكاملاً بين الدولة والمجتمع المدني بما يتعلّق بالقضايا الإنسانيّة خاصة.
 
إنّ ما قامت وتقوم به جمعيّة "كثارسيس" هو عملٌ بالغ الأهميّة وذلك لأسباب عديدة. من جهةٍ يهدف إلى إحاطة الإنسان وإعادة الإعتبار لكرامته المهدورة، كما يهدف الى إنجاح الدمج المجتمعي(réinsertion sociale) لأشخاصٍ هُمِّشوا مرّتين: مرّة عندما كان المجتمع شريكاً في ارتكابهم الجريمة.. ومرّةً أخرى عندما لفَظَهم خارجاً. من جهةٍ أخرى، هو سعيٌ لملء فراغٍ تقعُ مسؤوليّتهُ على دولةٍ عاجزةٍ بشهادة مواطنيها. ومن جهةٍ ثالثة، هو يندرج ضمن إطار الحراك الملموس والفعّال للتغيير الحقيقي بعيدًا عن الوعظات النظريّة (الأخلاقية) الّتي غالبًا ما تنتهي مفاعيلها بانتهائها. 
 
ختامًا، لا بدّ من العودة إلى المَشاهد الأخيرة للفيلم الّتي عبقت بضحكاتٍ طفوليّة على وقع موسيقى خاصّة بالأطفال (كتلك الّتي تُعزَف عادة فوق المَهد - Comptines)، من تأليف خالد مزنّر.. في إشارةٍ ربما إلى الولادة الثانية بعد نجاح عمليّة الـ"كثارسيس". ولادة السجينات طبعًا. والمُشاهدين أيضًا، نقلا عن Now
 
 
 
 
حرره: 
ع.ن