فوز موفاز ومستقبل كاديما

generalement

حسم حزب كاديما الوسطي خياره، بانحيازه بشكل لافت وبفارق كبير لصالح شاؤول موفاز زعيما جديدا له. وطوى لحين زعامة تسيبي ليفني، التي لم تتمكن خلال الأعوام الثلاثة والنصف الماضية من تشكيل حكومة، رغم ان حزبها يملك (28) نائبا في البرلمان؛ كما لم تتمكن من قيادة المعارضة كما يجب. والأهم ان ليفني، القابعة في غرفتها بعد هزيمتها المرة أمام موفاز، لم تتمكن من تبني وجهة نظر سياسية واضجة ومحددة.

صحيح ان ليفني تعتمد شكليا خيار حل الدولتين للشعبين، لكنها ابقت رؤيتها للحل السياسي غامضة وملتبسة. فهي اعلنت اكثر من مرة، عدم توافقها مع رؤية اولمرت، رئيس الوزراء السابق، كما انها ليست مع وجهة نظر موفاز ولا تتبنى وجهة نظر نتنياهو، رئيس الحكومة الحالي. وفي نفس الوقت، هي مع الاستيطان الاستعماري في الاراضي المحتلة 67 وفق رؤية غير مبلورة، او هي شاءت ان تبقى غير محددة المعالم، ومع بقاء القدس عاصمة موحدة لاسرائيل، ومع البقاء في الأغوار تحت سيطرة إسرائيل.

لهذا لم يعد يعرف نصير كاديما اين تقف زعيمته؛ ولا ما تريد! بعكس الزعيم الجديد للحزب، الذي حاز على ثقة الغالبية الكبيرة بنسبة 61% من أصوات المقترعين على زعامة الحزب. رغم ان كل استطلاعات الرأي اشارت، الى ان فوز موفاز سيعني تضاؤول عدد المقاعد، التي سيحصل عليها كاديما في اية انتخابات برلمانية قادمة. مع ذلك صوت انصار ومحازبو كاديما لصالح موفاز، لأنه يمتلك رؤية واضحة ومحددة. فضلا عن ان الشارع الاسرائيلي اتجه منذ زمن غير قريب نحو اليمين واليمين المتطرف.

فوز موفاز لا يجوز اعتباره مفاجئا لأي مراقب، لأن حزب كاديما ما زال حديث الولادة، عمره لا يزيد على ستة أعوام ونصف العام، وهو خليط من حزبي الليكود اليميني والعمل اليساري (بمعايير الخارطة الحزبية الاسرائيلية) ، وانشقاقه عن هياكل الحزبين بقيادة شارون، لم يكن في جوهره سياسيا، وإن اكتسى للحظة بثوب وشعار السياسة، انما نجم عن احتدام التناقضات بين اقطاب الليكود بعد الانسحاب احادي الجانب من قطاع غزة، ما دفع زعيم الليكود آنذاك (شارون) الانشقاق عن الحزب الأم، وتشكيل كاديما، الذي اتسم بطابع الوسطية في السياسة الاسرائيلية، وبقي من بقي في الليكود متخندقين في مواقع اليمين واليمين المتطرف، حتى امسى حزب قطعان المستعمرين. غير ان وسطية كاديما بالمعنى العام للكلمة، لم تسقط الانتماءات والرؤى المتأصلة لمكوناته وقياداته، لأن كثيرا منهم التحق بكاديما ليس حبا بشارون بل كرها ونفورا من نتنياهو. ومن بين من هرب لهذا السبب موفاز.

موفاز تميز بوضوح رؤيته السياسية، الجميع ما زال يذكر المؤتمر الصحفي، الذي عقده وعرض فيه رؤيته للسلام، وجوهره الدولة ذات الحدود المؤقتة، وعدم الانسحاب من الأغوار، والقدس موحدة، وعدم العودة للاجئين، واستمرار الاستيطان الاستعماري في الضفة، ومع شن حرب على قطاع غزة. والعامل الأخير، هو ما دفع انصار كاديما في الجنوب بالتصويت بكثافة لصالح شاؤول موفاز المتقلب.

فوز موفاز بمثابة انتصار ليمين حزب كاديما، وهو ما يعني إمكانية عودة اقتران انصار موفاز مع ليكود نتنياهو، إن لم يحظ كاديما بعدد مقاعد يساعده على تولي رئاسة الحكومة القادمة، او غياب دوره (كاديما) عن قيادة المعارضة. وموفاز المعروف عنه بتقلبه الفجائي والدراماتيكي، ليس مستغربا عليه العودة لحاضنة الليكود لاحقا وبعد الانتخابات القادمة وليس قبلها، لان عين موفاز على رئاسة الحكومة، ولكن إن فقد الامل لحين فلن يتأخر في الجلوس في مقعد وزير الدفاع في حكومة بقيادة نتنياهو.

غير ان الامور لن تكون بهذه السلاسة في كاديما خلال المرحلة المقبلة، فالصراع سيحتدم مجددا بين انصار تسيبي ليفني وموفاز، وقد يبرز قادة جدد الى جانب ليفني لمنافسة وزير الدفاع الاسبق. كما ان الأمور قد تتجه نحو انقسام كاديما، لا سيما وان تركيبة الحزب تسمح بحدوث انشقاق او انشقاقات متعددة.

مستقبل كاديما مفتوح على السيناريوهات المختلفة، لان تقديرات قادة كاديما تختلف عن الانصار، الذين صوتوا لصالح تولي موفاز الزعامة. كما ان التصويت بحد ذاته، يميط اللثام عن وجه كاديما اليميني غير البعيد عن الليكود وحتى حزب إسرائيل بيتنا. والمستقبل المنظور يحمل في طياته الكثير من التحولات والمتغيرات على صعيد كاديما وعلى صعيد الخارطة الحزبية الاسرائيلية.