يوم الأرض وسر البقاء

adli_sadikkk

في كل يوم للأرض، يتجدد الوفاء لفلسطين، ويلتحق الجيل القادم من عمق الحُلم الخالد، بمن سبقوا، فيتناقل تفصيلات الحكاية التي لن تمحوها ألف حركة صهيونية وألف ولايات متحدة أمريكية. الكبار يموتون، نعم. لكن الصغار لا ينسون، ولا يندثر حرف من رواية الراحلين. يحفظها اللاحقون عن ظهر قلب، وتساعد على حفظها غلاظة المحتل وجنونه وعنصريته، وهو الذي ضيّع ما أتاحته له، أسوأ أوقاتنا وأيامنا!

الشباب يستلهمون من إرث آبائهم وأجدادهم، قيمة التشبث بالحق، والوعي لحقيقة الوجود الخبيث لهؤلاء المحتلين، وتدابير التفافهم على آمال شعب حي، في استعادة الروح والدفق الإنساني والكرامة.

في يوم الأرض، تتبدى فلسطين قلادة السماء، وينثر التاريخ حروفه على ترابها، وتستعاد الأقاصيص كلها: هنا، فوق هذه الأرض كانوا. دخلوا الحنايا، واتحدوا مع صخرها الناري ومع أشجار الزيتون. هنا كانوا وما زالوا ماكثين في حقيقة وجود الأبناء والأحفاد.. في واقع وجودنا!

في يوم الأرض، يقول الفتى: ألا تسمعون وقع خُطى الذين رحلوا مع أحزانهم؟! ألا تسمعون حفيف قلوب كل الذين قضوا على درب الحرية. حفيف قلب القسام، وقلب الحاج أمين وعبد القادر الحسيني، وأحمد الشقيري، وأبو جهاد، وأبو علي مصطفى والشقاقي وأبو العباس، وأحمد ياسين وعبد الله الحوراني عاشق الأرض وياسر عرفات وصحبه أبو يوسف النجار والكمالين عدوان وناصر، وأبو صبري وأبو علي إياد وصلاح خلف، وحفيف قلب كل شهيد عايش أيامهم وقضى نحبه على الطريق، وفوق هذا الثرى، انتصبت قامته الجليلة؟!

* * *

همهمات أرواح الشهداء الراحلين، تحلّق بين سماء وسماء. يسترقون النظر الى الأبناء في يوم الأرض. يبتسمون، لأنهم نجحوا عندما بذروا قمح عشقهم في نسغ التراب. الأبناء بدورهم، يلمحون في الأفق، أطياف أجدادهم النورانية، المسافرة كشذرات عطر. ومهما كان هدير جحفل الغزاة، الذي يجلجل في المدى الحزين، فإن الأحيال الفلسطينية ستظل ترابط على باب الشمس والنور، وفي خمائل الربى والمفترقات، وستظل الهمم تكمن عند ثغور الوجد والحب الصوفي لفلسطين.. بلادنا!

يجدد الشعب في يوم الأرض، عزمه على المكوث في ملكوت عشقها، استقامة وتسامياً. وستظل الأجيال وفيّة لمن كتبوا وصاياهم قبل أن يتجردوا عن دنياهم، فتحفر كلمات عزمهم الأرجوانية، على لوح الحقيقة!

ماكثون على الأرض، وباقون قي قلب الحقيقة، كأقوى وأعز البراهين، على زيف سعيهم وهوسهم وجبروتهم. نتطلع الى يوم تنعقد فيه لجيل قادم، سنابك العزم ورباط الخيل. فلا خيار للفلسطينيين سوى أن يقولوا لأنفسهم: أعدوا واستعدوا!

الأرض تشدنا الى حضنها. ترشدنا الى ظلالها التي لا تفارقها، وتدثرنا الجبال بأجنحتها وتحمينا من الجراد المخرّب. لن تفارقنا تمتمات الشهيد الأخيرة، فهي سر العناد الفلسطيني الذي سيحفظ الحق في الحياة والصمود والبقاء!