محمود شقير يروي حلم الشباب الفلسطيني

بقلم: راسم المدهون

لا يكفي القول إن كتاب محمود شقير الجديد «كلام مريم» هو «رواية للفتيات والفتيان» كي نحصره في اهتمامات هذا العمر الذي يتأهب أصحابه للدخول في الحياة. محمود شقير يختار هذه المرحلة بما هي مفترق طرق يقف فيه فتيان وفتيات فلسطينيون ليمتحنوا وعيهم الذي يواجه معضلات كبرى، ويجتهد للعثور على أجوبة لأسئلة عن الواقع والحياة وبالذات عن العيش في ظل الاحتلال والاستيطان.

«كلام مريم» ( منشورات الزيزفونة لثقافة الطفل - رام الله - 2013 ) حكاية الاحتلال العسكري والاستيطاني ولكن مقروءة هذه المرة من عيون أولئك الفتية والفتيات الذين تضعهم الحياة في شروط عيش بالغة الصعوبة فيجدون أنفسهم بين حدَّي تكوين ذواتهم كأفراد، وفي الوقت ذاته مواجهة عسف الاحتلال وطغيانه. هي حكاية الفتى كنعان وصديقته مريم، يختار لها محمود شقير المسرح المدرسي حيث عليهما أن يشـاركا فـي تمثيل دوريهما في مسرحية، لكنهما يحملان مع المـسرحية بذور وعي سـرعان ما تبدأ في التفتح بفعل أسـئلة غـزيرة لا تـتـوقف ...أسئلة يبحثون لغموضها عن تفسير ويكتشفون يوماً بعد يوم أنها كلها مرتبطة بالاحتلال وغياب الحرية.

لا يكتب محمود شقير حكاية كنعان ومريم من مخزون أيديولوجي أو حزمة أفكار مسبقة. هو يذهب مع بطليه الصغيرين نحو أحلام بسيطة تتشكل رويداً رويداً، حيث يتعرفان في صورة شبه فطرية على الحب، ومعه على الثقافة أو لنقل بشكل أدق على الوعي في تجلياته البدئية، البسيطة وشبه المشوشة، ولكن الواثقة والتي تدفعهم أكثر فأكثر نحو ملامسة جدران الواقع ومحاولة تفسيره أولاً للانتصار عليه بعد ذلك. يروي الكاتب حكايته على لسانَي مريم وكنعان فيحدث كل منهما عن الآخر لا كفرد وحسب ولكن أيضاً كعلاقات وشيجة بآخرين في الأسرة والمدرسة والمحيط الاجتماعي: هنا بالذات يقدم شقير صورة كاشفة لما يجري في المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال من حوادث، وما يعيشه المواطنون من معضلات يحاول كل منهم تفسيرها بفكر مختلف. التنوع هنا لا يخفي ما في المجتمع من تيارات تصطدم وبعنف نراه يزيد معضلة الاحتلال، بل يجعل مواجهة الاحتلال أكثر تعقيداً وصعوبة.

أهم ما في «كلام مريم» تلك البساطة التي تجعل قراءة هذه الرواية القصيرة سلسة وفيها الكثير من المتعة، فمحمود شقير يختار بطلَيه بعناية تجعلهما عاديين ويمكن مقابلة أشباه كثر لهما في مدن وشوارع فلسطين. إنه بمعنى ما يكتب أدباً واقعياً يمتاز برؤاه الفنية ذات الإيقاع الجميل الذي يعبق بجاذبية السطور والكلمات، وهو صاحب التجربة المتميزة في كتابة أدب الطفل منذ أكثر من ربع قرن. في «كلام مريم» انتباه للحياة الاجتماعية في فلسطين ومحاولة قراءة تفاصيل صورتها والتي تبدو لنا صورة تزدحم بتغيرات كبرى تعيشها الفئات الاجتماعية على وقع التراجيديا الإنسانية التي عاشها ويعيشها الفلسطينيون منذ أكثر من ستة عقود طويلة.

«كلام مريم» رواية تستقيل من أية رغبة في التحريض المباشر إذ هي تتنكب عن الشعارات الكبرى والعناوين العامة، وتذهب بدلاً من ذلك نحو الحياة نفسها فتختار من هناك وعيهاالخاص وأدوات تعرُفها على العالم.

هي رحلة في الوعي البسيط، ولأنها كذلك نرى الكاتب يواكب الحدث الواقعي في تشكُله البطئ ويكتب عنه بكثير من البساطة الآسرة التي تجعل القراءة احتفالاً بالحياة بل تحية للأجيال الجديدة من الفتيات والفتيان الذين يعيشون اليوم أحلامهم الكبرى تحت نار القسوة والظلم.

 

الحياة